انت هنا : الرئيسية » سياسة » الأزمة البنوية والمنهجية للنخب والانتيليجنسيا الاحوازية في انتفاضة نيسان1/3

الأزمة البنوية والمنهجية للنخب والانتيليجنسيا الاحوازية في انتفاضة نيسان1/3

الأزمة البنوية والمنهجية للنخب والانتيليجنسيا الاحوازية في انتفاضة نيسان1/3

استشهد المناضل محمد شريف النواصري في مارس 2007 و هو احد مؤسسي التيار الوطني العربي الديمقراطي في الاحواز. قد حصل الفقيد محمد شريف على وثيقة التطهير العرقي من قبل النظام الايراني في الاحواز وقد نشرها وشارك هذا المناضل والتيار الوطني العربي الديمقراطي الاحوازي بالتنسيق مع عددا من الوطنين في المهجر، في التخطيط لقيام انتفاضة نيسان 2005.

 

الحلقة الاولى

عند الامتحان يكرم المرء أو يدان

شهدت شعوب العالم طوال مراحلها النضالية وتطورها الاجتماعي والثقافي والسياسي محطات ومنعطفات وتحديات مختلفه حيث القت تلك الاحداث بظلالها علي مسيرتها المستقبلية وحددت في معظم الاحيان ملامح المرحلة القادمة لتلك الشعوب وكان لنوعية ونمط التعامل ومواجهة التحديات المفروضة الأثر البالغ في تحديد المنحى والتوجه الذي بلغته تلك الشعوب في مسيرتها المستقبلية.

ويذكر فلاسفة التاريخ من امثال المؤرخ والمفكر العربي عبدالرحمن بن خلدون وبرتولد اشبنغلر وآرنزلة توين بي في كتابه تاريخ الحضارة نماذج مختلفة عن نهوض الشعوب و التحديات التي واجهتها في مراحل تطورها وآلت اليه تلك الشعوب. وكان لنوعية التعاطي والتعامل وادارة الصراع ومواجهة التحديات المفروضة الدور المركزي في تحديد مصير تلك الحضارات والشعوب المستقبلية.

اما بالنسبة للشعب العربي الاحوازي فهو جزء من عملية سيرورة التاريخ وشهد طوال خمسة الآف سنة منذ العصور الغابرة زمن الحضارة العيلامية مرورا بالفترة الاسلامية والدولة المشعشعية وامارة عربستان, مراحل وتحديات ومنعطفات مختلفة حيث كان لبعض التحديات الأثر البالغ علي سيرورته التاريخية. الاولي قبل 2500 سنة علي يد غوروش الإخميني الذي قوض اركان الدولة والحضارة العيلامية والثانية سنة 1925م بواسطة رضاشاه البهلوي الذي الغيت علي يده امارة عربستان العربية.

أشرنا في دراستنا السابقة “انتفاضة نيسان, الاسباب التاريخية والبنيوية” الي التحديات المفروضة علي الشعوب الايرانية بشكل عام والشعب العربي الاحوازي بشكل خاص بعد خلق وتجسيد النسخة الجديدة من النسق السياسي(political system) وأهم افرازات تلك السياسات العنصرية طوال ثمانية عقود من الحكم الشوفيني والسلطة الغاشمة.

وعددنا أهم المراحل التاريخية والنضالية طوال الفترة التي خلفت الاحتلال الكولينيالي المباشر, حيث وجه لنا بعض الاخوة نقدا بأننا اتخذنا “الهيغلية” والمنهج الهيغلي التاريخي لطرحنا للقضايا الاجتماعية والسياسية. لكن الحقيقة ان منهجنا هو المراجعة النقدية لأهم المنعطفات التاريخية لتشخيص الخلل والتأسيس لمرحلة جديدة نستلهم من تاريخ التحول االاجتماعي بعض المرتكزات والمنطلقات النضالية.

فهناك بين التاريخ والمراجعة النقدية بهذا المعني, فرق لابد من ابرازه هنا لأهميته. ذلك ان التاريخ لحادثة او سلسلة من الحوادث لايكون علة انتهائها. فالتاريخ, اصلا, جفظ علي صعيد المعرفة لما مضي وانقضي علي الفعل. اما المراجعة النقدية فهي وقفة تأمل يقفها الانسان عندما يشعر لأن مرحلة ما في مسيرته هي علي وشك الانتهاء وأن مرحلة أخري علي وشك الابتداء. ومن هنا كان الاتجاه للمراجعة والنقد يتحدد, ليس بالممكنات التي كانت تشكل طموحات الامس وحسب, بل ايضا بالتي تشكل برنامجا للمستقبل. وعندما يكون الفصل بين هذه وتلك ممكننا ميسورا, فان ذلك يعني أن مرحلة بكاملها هي بالفعل في حكم المنتهية وأن مرحلة اخري علي الابواب.

اضف الي ذلك أن للتاريخ دورا هام في عملية استنهاض القيم وهمم الشعوب الواقعة تحت نير الاحتلال والعبودية من اجل عملية رص الصفوف لتعبئة الجماهير وتنشيط الجهد الثوري لدي ابناء الشعب العربي الاحوازي ونخبه السياسية والانتليجنسيا التي تمثله في معترك النضال. كذلك بالنسبة الي التاريخ, فان له بداية رومانتيكية مشابهة ونهاية اكثر نضجا.

فان التاريخ لم يتخلي عن مكانته كشريك مساو في صنع الامم. لقد كان اولا ذاكرة منشطة للاعمال المجيدة علي العمل بأبطاله ومنجزاته الماضية لالهام الجيل الجديد علي التمسك بمثال سام من كينونة الأمة والايمان بالمستقبل والتضحيات غيرالمحدوده…. كل ماعليهم فعله هو اعادة ربط ماضيهم بحاضرهم بإضفاء شعور الفخر والحماسة بأمجادهم الغابرة.

وهكذا لكي يستلهم المرء التاريخ عليه أن ينظر اليه بوصفة كيانا حيا يموج بالسياسين البارزين والقادة العسكريين والشعراء والفلاسفة. غير أنها خطوة أولية لكنها ضرورية. وينبغي ان يكون تدريس التاريخ للجيل الجديد وشباب الامة مثلا ينطوي علي مسئوولية قومية كبيرة. بوصفه مبدءا اخلاقيا و روحيا في تكوين الامة بحد ذاته لابد من التعامل معه بروح الالتزام والتكريس علي نحو تام.

لذا بسبب متطلبات تدريس التاريخ ضمن مجال محدد وقيود الوقت, علي مدرس التاريخ لجيل الشباب من ابناء الامة ان يمارس قدرا معينا من الحذر لأختيار أحداث وتأكيدها, بحيث تقود الي تعزيز شعور الوعي القومي. وهذا الوعي الذي يغذي وفقا لبرنامج صارم من التثقيف و الاختيار الحصيف للمواد هو الذي يضمن مولد حركة جديدة.

وفي حين تستمد هذه الحركة الجديدة أمثلة من الماضي, فإنها ملتزمة بصنع المستقبل بالافكار الجديدة والمعدات التقانية المتقدمة. علاوة علي ذلك, فأن ابراز او انتقاء أحداث معينة لغرض بث الوعي القومي وجعل الشباب واعين لتراثهم او واجباتهم المدنية لايعني تزييف الحقائق او تشويهها. وهكذا من الطبيعي والمنطقي انقاذ التاريخ العربي من حالة الجمود التي تقوم علي قائمة بالأسماء والتواريخ لاتتصف بالحيوية, وإعادة خلق صورة دينامية مفعمة بالحركة والحياة.

خلافا لذلك ان يتبع تدوين التاريخ كجهد علمي بقواعد صارمة ويتمسك بمنهجية دقيقة من الموضوعية والاصالة. إن مثل هذه المهمة تتطلب استعمال المصادر الاساسية الموثوقة وتحتاج الي دراسة التفاصيل وكافة الحقائق المتعلقة بحدث معين. وبهذا الخصوص علي المؤرخ أن يكون منصفا وموضوعيا ولا هدف له الا أن “يعرف الحقيقة ويذيعها”.

هذا لايعني أن تركيزنا علي التاريخ وكذلك الذاكرة التاريخية وتنشيطها هو علي حساب المرتكزات الأخري لاستنهاض الشعب العربي الاحوازي كاللغة والثقافة والجغرافية و…. بل كل واحدة من تلك العوامل لها دور وظيفي (Function) في تلك العملية (Process) وذلك المشروع النهضوي والثوري.

ثنائية الانفصال و الذوبان:

أفرزت انتفاضة نيسان الاخيرة واقعا أجتماعيا وسياسيا جديدا اكثر جلاء ووضوحا وما استطاع المتتبع للشأن الاحوازي مشاهدته وملامسته وهو “اشكالية(Problematic)” تأزم وإفلاس معظم النخب السياسية والانتليجنسيا والاحزاب السياسية وكذلك مؤسسات المجتمع المدني في الداخل وطوبائية الطرح السياسي والفكري لدي معظم الاحزاب السياسية في الخارج. تلك البرامج التبشيرية والطوبائية التي لا تمت بالواقع والواقعية السياسية بصلة, حيث أخذت تروج للعنف الثوري وتستنهض كتائبها الثورية في الداخل من اجل ضرب القواعد العسكرية وحرق المؤسسات و… سعيا منها مصادرة الانتفاضة هي تلبية للنداء الذي وجهته لجماهير الشعب بعد مرور ثمانين عاما علي الاحتلال وأن عناصرها هي التي أحدثت شرارة الثورة وسيرتها طوال تلك الاسابيع الثلاثة متناسين “أن النضال عن بعد لايبني وطنا وأن الثورة والجهد الثوري هو مشروع نهضوي متكامل وعملية تراكمية ليست وليدة لحظة وحدث تاريخي معين”.

أما بالنسبة للداخل فأخذت الاحزاب السياسية والشخصيات المعروفة بتوجهاتها الانتهازية وعمالتها للسلطة تنعت الانتفاضة المباركة والمنتفضين المخلصين بصفات مختلفة كالغوغائية(Lumpenism) والمدمنين والسراق وغيرها من الصفات البذيئة.

القصد من الاشارة لهاتين الحالتين هو التأكيد علي الأشكالية والثنائية التي لطالما يعاني منها النضال الاحوازي طوال الثمانية عقود الماضية وهي ثنائية دعاة الانفصال والعنف الثوري من جهة والذوبان والتسليم التام للسلطة الغاشمة, من جهة اخرى.

الغرض من هذا الطرح وهذه الدراسة ليس التشهير والتهكم او التهجم علي الاشخاص والنخب والتيارات الفكرية والسياسية, كما لانقصد من خلال تشخيص ورصد بعض الحالات خلال هذه الانتفاضة المجيدة والانتقاضات السابقة “جلد الذات” كما يقال, بل نقصد تقديم دراسة نقدية وباتالوجية(Pathology) لما آلت اليه النخب السياسية والتيارات والانتيليجنسيا العربية الاحوازية.

وكذلك الاحزاب ومؤسسات المجتمع المدني وكذلك الأزمة والاشكاليات التي يعاني منها الشعب العربي الاحوازي بشكل عام ونخبه السياسية والفكرية بشكل خاص, سعيا منا وبمشاركة النخب السياسية والفكرية والانتيليجنسيا الاحوازية للتأسيس لمرحلة جديدة وفضاء فكري ومنهجي جديد يأخذ بعين الاعتبار المنهجية والواقعية السياسية وما تملي عليه طبيعة ودقة المرحلة التاريخية مع الأخذ بعين الاعتبار التجارب العالمية للشعوب في طريقها لنيل الحياة الحرة الكريمة.

أن النقد العلمي والمنهجي وطرح التناقضات هو أول مراحل الوصول الي الفعل او الوفاق الاستراتيجي كما تقول مدرسة فرانكفورت النقدية ومفكرها الكبير “يورغن هابرمارس”. كما لانقصد من طرح التناقضات والمراجعة النقدية قرائة مابين السطور للسلطة الغاشمة بل القصد خلق دينامية وحراك فكري ومجتمعي للخروج من حالة الخمول والتأزم التي وصلت اليه النخب الفكرية والانتيليجنسيا السياسية في داخل وخارج الاحواز.


الكاتب : المرحوم محمد شريف النواصري


1. د.محمد عابد الجابري, المشروع النهضوي العربي مراجعة نقدية, مركز دراسات الوحدة, الطبعة الاولي, بيروت, كانون الاول 1996م, ص13.

2. ساطع الحصري, الاعمال القومية لساطع الحصري, القسم الاول, آراء و احاديث في الوطنية القومية, ص22-23-30-31-68 و 72.

3. الحصري, المصدر نفسه, القسم الثاني, الكتاب8: آراء و احاديث في التاريخ و الاجتماع, ص32-34.

4. الحصري, المصدر نفسه, ص32.

5. تحدث احد الاعضاء الرئيسين في “حزب الآفاق الاسلامي” في جلسة عامة واصفا هذه الانتفاضة و يوجد لدينا تسجيل لهذه الكلمة و النقاش الذي دار في تلك الجلسة.

كافة حقوق النشر محفوظة لموقع بادماز. ما ينشر في هذا الموقع لايعبر بالضرورة عن موقف التيار الوطني العربي الديمقراطي في الاحواز.

الصعود لأعلى