انت هنا : الرئيسية » ثقافة ومجتمع » كيف واجه الاحوازيون النظام الايراني؟

كيف واجه الاحوازيون النظام الايراني؟

انتفاضة الشعب العربي الاحوازي… نظرة الى الواقع

القسم الثاني و الاخير

كيف واجه الاحوازيون النظام الايراني؟

النضال الاحوازي في مواجهة الاحتلال الايراني انقسم على قسمين العسكري والثقافي أي السلمي.

الوطنية و متطلبات الساحة الأحوازية

ارتكز النضال العسكري على مفهوم الاحتلال وشكل العديد من المنظمات المقاتلة وقدّم آلاف الشهداء لأرض الأحواز.

استهدف هذا الحراك الأهداف الايرانية العسكرية والاقتصادية كأبار البترول وأنابيب الغاز والبترول. مع كل تضحيات هولاء المناضلين لكن لم تتمكن هذه الجبهات المناضلة من الحد من الهجرة الى الاحواز وحتى لم يقدموا حلولاً لمواجهة هذا الخطر. أهم نقد موجه لهؤلاء هو أنهم من اجل دحر الاحتلال قد اهملوا الكثير من الامور الهامة مثل الثقافة والهجرة والموارد الطبيعية للحياة وغيرها. كما العديد من هذه الجهات لاتتفاعل مع المتغييرات في ايران لسبب انها قد أبعدت نفسها من الشأن الايراني بحجة انه شأن المحتل. بحيث وصل الامر لدى بعض التحررين الى درجة أنهم يتفاخرون بانهم لايعرفون اللغة الفارسية.

من جهة اخرى ومنذ عام 1978  إنبثق الحراك السياسي والثقافي السلمي في المحمرة وباقي مدن الاحواز. مع انه تم قمع هذا الحراك في مجزرة المحمرة لكن شهد هذا الحراك ذروته في عهد خاتمي واستمر ما بين عامي 1997 الی 2005.

انتفاضة نيسان 2005 تعتبر أحد أهم احداث التاريخ السياسي المعاصر في الاحواز.أخرجت الإنتقاضة القضية الاحوازية من ركام النسيان الى العلن بحيث جعلتها قضية حاضرة اقليميا. بعد مجزرة المحمرة والحرب الايرانية العراقية التي حفزن النظام الايراني على ترجمة طموحاته الاحتلالية والاستعمارية في الاحواز الى الواقع فجائت انتفاضة نيسان 2005 مثل الكاتاليزور الذي اشعل نار الغضب الايراني. ما نشهده من وتيرة متصاعدة في سياسات النظام الايراني تشبه تماما حال من يحاول اكمال مشروعه قبل فوات الاوان.

وضعت الانتفاضة الاحوازيين في طريق لا رجعة فيه.  ومن جانب آخر قد اتخذ النظام الايراني أخطر قرارته السياسية بعد الانتفاضة وعلى لسان قائده على خامنئي، فقد قرر تسطيح 800 الف هكتار واعطاءها الى غيرالعرب. وحسب تصريح محسن رضايي فإن النظام يطمح أن يجعل جمعية الاحواز تصل الى 30 مليون نسمة في عام 2025 للميلاد.

اذن ايران تضع عرب الاحواز كعدو استراتيجي وأكبر خطر أمني على وحدة أراضيها. بناءاً على هذا الأمر و استنادا على ما نُفذ وما هو قيد التنفيذ من سياسات استعمارية ايرانية تجاه الاحواز، تعامل ايران مع العرب لايمكن ان يتغير بالمجاملات الانتخابية و انه ماض الى جعل العرب اقلية في اقليم الاحواز. هذا الامر أصبح واضحا تماماً بعد ما تمكنت ايران من بناء حدودها المائية عبر بناء عشرات السدود في شمال الاحواز بحيث أصبح النظام الايراني يتحكم بحياة الاحوازيين عبر تحكمه بالمياه.

اما الحراك الثقافي الاحوازي فهو ركز اهتمامه على الهوية واللغة والتاريخ و تميز بطرح مفهوم ازمة الهوية. الناشطون في هذا المجال وهم من خريجي الجامعات قد عملوا على تاسيس مؤسسات ثقافية مابين عامي 1997 – 2005 لكن قد تعطل كل شي بعد حدوث انتفاضة 2005.

من أهم سلبيات النشاط الثقافي هو احتياجه الى أجواء انفتاح وقبول من قبل السلطة وهذا ما قد تراجعت السلطات منه و قد أصبح الجو الحاكم على الاحواز أمنيا بامتياز، ولم يعد هناك اي تسامح تجاه الحراك الثقافي الاحوازي من قبل الدولة الايرانية.

كما إن انشغال المثقفين بقضايا ثقافية بحتة او السياسية، لاتهتم بقضايا اساسية وسياسات عملية تمارسها ايران على ارض الواقع مثل سياسة سلب الاراضي و جلب غيرالعرب الى الاحواز، أو عدم وجود برنامج عملي وواقعي لمواجهة السياسات المذكورة تسبّب في أن يبقى نشاط الشريحة المثقفة  كلاما أنيقا دون جدوى عملي و بعيد عن واقع يتغير بقوة النظام المادية. بناء على هذا يمكن القول أن جل النشاط الثقافي و السياسي لدى الشريحة المثقفة بالداخل او في المهجر لم يرتقي لمواجهة سياسات النظام الايراني و لم يتمكن من ايقافه ولو بقدر ما في مجال تغيير التركيبة السكانية و سلب الأراضي و المياه.

المقالات و الكتابات و المهرجانات التي لم تطرح اصل مشكلة التغيير الديمغرافي ولا تصتدم معاه فانها تبقى كتابات لاتوقف السياسات الايرانية، فعلى سبيل المثال اصحاب النشاط السلمي لم يتمكنوا من جعل قضية التغيير الديمغرافي مشكلة انسانية تطرح في مضمار حقوق الانسان الدولي وبقت تطرح بشكل خجول على هامش المطالبات للدفاع عن المحكومين الاحوازيين.

لم يتمكن الأحوازيون من طرح مشكلة تدمير البيئة و سلب المياه على مستوى عالمي و كما لم يتمكنوا من الحصول على ادانة دولية لهذه المشكلة.

 

الغفلة عن الواقع:

بعد انتهاء الحرب الايرانية – العراقية،  رجوع عشرات الالاف من المشردين العرب الاحوازيين من المحافظات الايرانية الاخرى الى الاحواز، قد فتحت عيون الجيل الشاب أنذاك على التخلف الذي يعيشه المواطن الاحوازي قياسا مع الاقاليم الاخرى. تمثل هذا التخلف في مستوى الحياة المعاشة وعلى مستوى التعليم وغيرها.

قد دمرت الحرب و بشكل كامل مدينة المحمرة الحاضنة للحراك الاحوازي  في العقود السابقة و خاصة في الاشهر الاولى من ثورة 1979، كما دمرت مدن أخرى كمدينة عبادان والحويزة والخفاجية، مع هذا خلفت الحرب احياء هامشية مكتضة بمشردي الحرب الوافدين للاحواز من المدن والقرى الحدودية الواقعة على طول الحدود مع العراق. تمثل هذه الاحياء حزام الفقر حول مدينة الاحواز، منها حي الدايرة والملاشية وكوت عبدالله.

تكوّن الحراك الشبابي في احياء الدايرة (حي الثورة) و لشكرأباد و كوت عبدالله، و كان للمتعلمين وخريجي الجامعات دورا هاما في انبثاق هذا الحراك. الاجواء الامنية الخانقة لم تفسح المجال لاي نشاط سياسي او ثقافي، لهذا ظهرت حركة التصحيح المذهبية في مدينة الاحواز من اجل مواجهة التمدد الايراني على صعيد الهوية والانتماء لدى المواطن الاحوازي.

اهتمت الفئات المثقفة و المتعلمة في هذه الفترة في معضلة التعليم و صبت جل اهتمامها على مساعدة الجيل الشاب على الدخول الى الجامعات و تم الترويج لفكرة الاهتمام بالدراسة و التثقيف. نتيجة هذا الجهد ازدادت نسبة النجاح في اختبار الدخول الى الجامعات شيئا ما واصبحت ظاهرة دراسة البنات امراً عادياً وازدادت نسبة الفتيات اللواتي دخلن المدارس والجامعات.

في العام الاخير لحكم الرئيس رفسجاني ازداد الحراك الاحوازي و بعد وصول محمد خاتمي الى سدة الحكم وحصول انفراج نسبي في الاجواء الحاكمة على البلاد اخذ الحراك الاحوازي يتجه نحو العمل السياسي والثقافي وطرح مطالبات الشعب العربي الاحوازي بشكل سلمي.

المثقفون الاحوازيون، ومن أجل ان يتمكنوا من طرح الحد الأدنى من مطالبات الشعب العربي الاحوازي، حاولوا الابتعاد من الخطاب المتشدد الثوري ولاقت إعادة صياغة مفهوم “عرب ايران” التي طرحه على الطائي اذان صاغية من قبل الذين كانوا متواجدين في الساحة الاحوازية في الداخل.

النقطة اللافتة للنظر، في فترة مابعد الحرب حتى نهاية فترة حكم خاتمي واندلاع الانتفاضة، ان جل الحراك الاحوازي كان منصباً على العملية الثقافية وكل ما اهتم به الاحوازيين كان عبارة عن أزمة الهوية وطرق مواجهة هذه الازمة. هذا الأمر يعد أمراً مقبولاً لأسباب: منها أهمية المشكلة وأن الحراك الاحوازي السلمي كان في بداياته بعد ماجرب عقود من حراك ثوري استنزافي.

مرور حوالى عقد كامل على الاهتمام بالتعليم و التثقيف أظهر للمهتمين بالامر انه ليس كل متعلم يهتم بشعبه وأن المتعلمين لايمكن ان يشكلوا الطلايع المطالبة بحقوق الشعب العربي الاحوازي، بحيث وصل الأمر بالعديد من “الدكاترة والمهندسين” الجدد ان يتزوجوا من غيرعربيات وأن ينئوا بأنفسهم  بعيدا عن القضية من أجل ان لايصيب مستقبلهم سوءا.

 وصل الامر ببعضهم الى ان يرتدوا لباس التفلسف الى أبعد حدوده وأصبحوا مابعد حداثويين وحسب قول “م. ا.” لافرق بين ان يكون عربيا او اعجمي، ليضعوا القضية جنبا حتى يهتموا بامورهم الخاصة(بالطبع كاتب هذه السطور يؤمن بسواسية الشعوب، لكن القصد هنا شرح فقدان الدافع القومي والوطني لدى البعض.

كما تعامل الأحوازيون مع الاصلاحيين في اطار “لجنة الوفاق الاسلامي” في تلك الفترة و انتشار الوعي القومي بين شرائح الشعب الاحوازي، قد حفز الفرس ومنهم “جبهة المشاركة” التنظيم الاصلاحي، بمحاولة التغلغل بين النشطاء في لجنة الوفاق وان يحرفوا مسار هذا التنظيم القومي نحو مشروعهم المسمى بـ”الديمقراطي” من اجل صهره في بوتقة الحراك المركزي وابعاده عن هويته العربية. فقد روج هولاء ومن معهم من الاحوازيين لفكرة ايران الديمقراطية ورهنوا حصول العرب على حقوقهم بنجاح الديمقراطية في ايران و وضعوا اطار حقوق المواطنة كاطار مستقبلي لطرح مطالبات عرب الاحواز.

بفعل هذه المحاولات قد انشقت الوفاق وظهر تنظيم الآفاق بحيث مؤسسي هذا الوليد قد أعلنوا علناً انهم ليسوا قوميين عرب وانهم يطمحون الى الديمقراطية في ايران. وقد اصبح واضحا للجميع ان هذه الخطة هي أسلوب رائج لدى الاحزاب الايرانية من اجل صهر الحراك اللامركزي للشعوب غيرالفارسية في بوتقة الحراك المركزي في الداخل وفي المهجر.

استند اللآفاقيون ومازال بعضهم يستند الى يومنا هذا بان فسح المجال لنشاط ثقافي هامشي في الاحواز من قبل السلطة هو كاف لاستمرار الوضع على حاله وكانوا يتمنون عدم حدوث الانتفاضة حيث خيبت آمالهم قبل غيرهم .

هذه الامور حدثت في وقت كان النظام الايراني قد أسس منظمة “جهاد نصر” فور نهاية الحرب وقد شرعت هذه المنظمة بمشاريع امنية قد خطط لها العقل الامني الايراني، فعندما كان الاحوازيون فرحون بتقدمهم في مجال بث التوعية القومية وتوسيع الحراك الثقافي كانت السلطة الايرانية تشيد السدود وتقطع المياه وتنهب الاراضي وتنشئ مشاريع قصب السكر وتأتي  بالآلاف من غيرالعرب لتغيير التركيبة السكانية للاحواز.

في جميع الاحوال، اهتمام الاحوازيين بازمة الهوية وابتعادهم عن القضايا الواقعية والمصيرية، او جعل الاولوية لنشاط ثقافي هامشي وتقديمه على الارض والمياه والهجرة وفي نفس الوقت تغلغل الفرس في الحراك السياسي الاحوازي السلمي وتهميش المؤسسين للحراك القومي من قبل السلطة وتلويث الاخلاق النضالية بين النشطاء بحيث انتهت المطالبة بادارة اقليم الاحواز لدى الطلائع القومية الى وصول الانتهازييين الى وظائف و ليس المناصب والحصول على المقاولات لكسب شيئا من المال، قد مهد الارضية لحدوث انتفاضة نيسان2005.

يبدو ان ما قاله محمد شريف نواصري: “لدي مسدس فيه رصاصة واحدة، سوف اطلقها ضد النظام الايراني واقلب الطاولة في وجه النظام” يدل بوضوح الى الوضع الذي كان يعيشه الاحوازيين في السنتين ماقبل الانتفاضة.

جاءات رسالة التطهير العرقي التي نشرت على يد محمد شريف نواصري، حاملة تفاصيل الخطة اللاانسانية للنظام الايراني لتدمير كل ماهو عربي احوازي وجعل الاحواز ايرانية الى الابد، فتفاعل معها الشعب بكل قوة وضحى بكل مالديه وسالت دماء الاطفال والشباب جلهم من غير المتعلمين وليس من المثقفين، للدفاع عن كرامة شعبنا الاعزل.

التفاعل الشعبي القوي مع الانتفاضة وجه رسالة قوية لكل الذين حاولوا تقديم اهتماماتهم الفردية والفئوية على قضيا الشعب المصيرية منها الارض والمياه والتركيبة السكانية بحيث مع تصاعد شدة المواجهات وتشديد القبضة الامنية على الاحواز، قد انقشعت كتلة الانتهازيين والمنخدعين بالفرس والمنصهرين في بوتقتهم عن القضية الاحوازية ووقف الاحرار ليدفعوا عن كرامة شعبهم.

 

بقلم: مهدي الهاشمي

كافة حقوق النشر محفوظة لموقع بادماز. ما ينشر في هذا الموقع لايعبر بالضرورة عن موقف التيار الوطني العربي الديمقراطي في الاحواز.

الصعود لأعلى