انت هنا : الرئيسية » سياسة » الأزمة البنوية والمنهجية للنخب والانتيليجنسيا الاحوازية في انتفاضة نيسان 2/3

الأزمة البنوية والمنهجية للنخب والانتيليجنسيا الاحوازية في انتفاضة نيسان 2/3

الأزمة البنوية والمنهجية للنخب والانتيليجنسيا الاحوازية في انتفاضة نيسان 2/3

مراجعة بعض المفاهيم؛

لكل حقل من حقول المعرفة مفاهيم تختص به وهي في الواقع أدات للتعبير والتخاطب والتواصل في ذلك الحقل ولابد من ضبطها للحيلولة دون الالتباس والفوضي حيث ذهب بعض فلاسفة اللغة من أمثال “ويكتنشتاين” الي حد القول بأن أساس مشكلة المعرفة والفلسفة هي أدوات التواصل المعرفي، أي اللغة من أجل حل تلك الاشكالية لابد من اعادة تعريف المفاهيم من جديد لكي تؤدي حقا معناها.

أما بالنسبة للمفاهيم التي تجدر الاشارة لها في هذه الدراسة هي الجماعات والتيارات السياسية والفكرية الناشطة علي الساحة الأحوازية. حيث تم تقسيمها الي “النخب الكمبرادورية” والانتيليجنسيا وتشمل الاخيرة الاحزاب ومؤسسات المجتمع المدني والطلاب.

النخب الكمبرادورية

أن هذا المفهوم تم استعماله في الادبيات السياسية لأول مرة من قبل الماركسين الجدد من امثال غوندرفرانك ووالرشتاين وسمير امين حيث له مدلولات خاصة بالمنظومة الفكرية المطروحة من قبل هؤلاء. النخب الكمبرادورية هي تلك الجماعة السياسية والاقتصادية من الاقطاعيين وكبار المدراء واصحاب المناصب ورؤس الاموال الذين هم أدات طيعة بيد المستعمر الاجنبي وهم جزء من منظومة “المتروبول” (المركز) والمحيط ومراكزهم والدور الذي يلعبونه “بالمحيط” للمحافظة علي مصالح المركز المستعمر وهم أداته التنفيذيون حيث يسعون جهد الامكان علي المحافظة علي تلك العلاقة غير المتوازنة بين المركز والمحيط والتي تنصب في مصلحة المركز المستعمر ونقصد هنا بالنخب الكمبرادورية اكثر مما ذهب اليه “سمير امين”  فرانك ووالرشتاين وهم كل الذي يصب جهدهم في خدمة المستعمر, من الفرس و العرب[i].

الانتيليجنسيا

الانتيليجنسيا هي كلمة روسية من أصل بولندي كما يقال البعض وقد استخدمت لأول مرة في روسيا, في الستينيات من القرن الماضي وذلك للإشارة الي المثقفين الذين كانوا يمارسون النقد الفكري لزمالئهم ومجتمعهم, ويرفضون النظام القائم ويدعون إلي تغييره ويقدمون تصورات ومفاهيم عامة جديدة او نظريات نقدية حول المجتمع والتاريخ, او النظام الاجتماعي والسياسي ككل, ويلتزمون بالأفكار الثورية التي يقدمونها ويعيشون لها ويحيون بها.

أن كل نضال سياسي او ثوري كبير في صنع التاريخ يقترن بأنتيليجنسيا تعبر عنه, وتمثل الوعي الذي يحدد علاقته بالواقع الذي يتفاعل معه, الواقع المدعو الي تغييره وتطويعه لمقاصد الثورة, وبالتالي فأن طريقة تعامله مع هذا الواقع او درجة فاعليته في اعادة تكوينه في ضوء هذه المقاصد, ترتبط بنوعية هذه الإنتيليجنسيا, بالإمكانات والمؤهلات تاتي تميزها وبقدرتها علي ممارسة الدور الذي يترتب علي وجودها.

أن الإنتيليجنسيا هي من افرازات المجتمع الجديد ومرحلة الحداثة وبعد الثورة الصناعية حيث ظهرت بالمجتمع العربي الأحوازي. لأول مرة مع ولادة الطبقة الوسطي وظهور التيارات السياسية والفكرية ونشوء الأحزاب السياسية القومية اليسارية في الستينيات والسبعينيات من القري الماضي وأخذت تطرح نفسها كبديل لعملية النضال الثوري, لزعماء القبائل وبعض رجال الدين والإقطاعيين.

وشهدت مراحل واخفاقات مختلفة طوال الاربعين سنة الماضية. كما أنها تشمل الناشطين السياسيين وطلاب الجامعات ومؤسسات المجتمع المدني وهذا ما نقصده في سياق هذه الدراسة.

الأزمة المنهجية للإنتيليجنسيا والنخب الفكرية والسياسية في الأحواز

في ظل الفوضي والبلبلة اللتين تسودان النضال حاليا وفي مقدمته الوضع النضالى نواجه خيارين, إما الاستمرار في التبشير بالأانفصال في ضوء رغبات مثالية, واما وضع استراتيجية نضالية, تؤكد علي حق تقرير المصير، يكون للشعب العربي الأحوازي كلمة الفصل فيه, نصوغها في ضوء منهج علمي يدرس حالات مماثلة في العالم يكشف عنها الواقع السياسي التاريخي, اي تجارب التحرر السياسي التاريخية بغية الكشف عن الأنتفاضة او القوانين العامة النضالية التي تسودها وذلك قصد العمل بها, إما عقلية تبشيرية تنقاد لرغبات ومشاعر ذاتية وتعمل خارج اي ادراك علمي منظم للواقع الذي تتعامل معه, للظاهرة التي تنشغل بها, وإما عقلية علمية تدرك الاتجاهات الموضوعية التي تتحكم, او يمكن أن تتحكم بهذا الواقع, فتكون بالتالي قادرة علي تطويعه لمقاصد الثورة وحق تقرير المصير.

 [ إما أستمرار إنتيليجنسيا ومجموعة مثقفة بعيدة عن الواقع وطوبائية تمثل العقلية الأولي وكانت مسؤولة عن اخفاقات النضال للشعب العربي…., واما إنتيليجنسيا جديدة تمثل العقلية الثانية كتحول ضروري من أجل حق تقرير مصير الشعب. الطريق الأول يعني إستمرارية الطوبائية والبعد عن الواقع ومايعنيه من بلبلة وفوضي, وبعثرة الإمكانات وهدر الطاقات والمراوحة في المكان نفسه, في أحسن الحالات, والطريق الثاني يعني احتمال الخروج من ذلك والقدرة علي ضبط الواقع وتطويعه لقصد حق تقرير المصير, وكذلك تطويعه لجميع مقتصدنا التي تدور حول مجتمع جديد يتحرر فيه الشعب العربي الأحوازي من الذل التاريخي الذي لايزال ينوء تحته منذ عشرات السنين]. لهذا يكون ظهور فكر علمي متكامل يرتكز علي حق تقرير المصير, تعبر عنه إنتيليجنسيا جديدة يتميز بأهمية قصوي, لتصحيح مسيرة النضال للشعب العربي الأحوازي وتوفير الفاعلية والنجاح له.

أن كل نضال سياسي, خصوصا عندما يكون ثوريا وتحرريا, يعني وعيا يرتبط به, ينطلق منه, ويرجع اليه, ولهذا فأن نجاحه او تأزمه وتشرذمه, يقترن بطبيعة هذا الوعي وبالكيفية التي يترجم بها هذا النضال في الأوضاع التي يعمل فيها وبما أن إنتيليجنسيا والطبقة السياسية هي أداة هذا الوعي, فأن ضعف وتشرذم النضال (في هذه المرحلة) يعني تأزمه, ولايمكن بالتالي أدراكه او تفسيره دون إدراك او تفسير هذا التأزم والتشرذم.

ان هذا التأزم يعني غياب العقلانية العلمية, العقل العلمي, عن هذا الوعي الذي يكون فكر هذه الإنتيليجنسيا. أن الحاجة الأساسية الان ادراك الواقع السياسي الذي وصل اليه هذا النضال والخلفية التاريخية والسياسية التي قادت اليه, فأن هذا الأدراك هو الخطوة, الضرورية لأي تخطيط كهذا.

فلكي يستطيع هذا النضال الخروج من المأزق الذي وصل اليه يجب أن ندرك اولا كيف وصل اليه. المسألة الأساسية ليست الإدانة في ذاتها بل الإدراك, اي فهم الواقع الذي يفترض هذه الادانة  ويوجه اليها.

أزمة الإنتيليجنسيا والطبقة السياسية لايفسر طبعا كل شيء ولكن جميع الاسباب الاخري التي يمكن الإشارة اليها تتأثر بنوعية الوعي او الادراك الذي يحدد عمل النضال تجاهها, ويترجمها الي واقع النضال. فإن لم يصح هذا الوعي او الإدراك يخسر النضال فاعليته وقدرته علي سيادة الاحداث والأوضاع التي يتفاعل معها حتي عند ما تكون هذه الأخيرة مؤاتية للأهداف التي يعمل لها.

 إن قيمة عامل معين في تفسير الأحداث وظاهرة معينة, سواء كان اقتصاديا او سياسيا او اجتماعيا و الخ…هي قيمة نسبية. اننا عندما ندرس بدقة علمية هذه الأحداث او الظاهرة وفاعلية المفاهيم التي نرجع اليها في تفسيرها, نستطيع ان نري حدود استخدام هذه المفاهيم وتطبيقها.

يمكن الكلام أساسيا عن نمطين رئيسين في الحياة الفكرية, النمط الذي يخضع الوقائع الموضوعي الي رغبات ودوافع ذاتية, والنمط الذي يخضع هذه الرغبات والدوافع الي هذه الوقائع والعقلية العلمية. أن هذا الخلل يعلن عن أزمتها, وأن تأزمها (الانتيليجنسيا والطبقة السياسية الأحوازية) كان مسئوولا مباشرا عن الأزمة و حالة التشرذم التي وصل اليها النضال التحرري الأحوازي, وأن الخروج من هذا الطريق, واحياء هذا ونقله الي صعيد تاريخي موضوعي جديد, يشترط بالتالي تصحيحا جذريا لهذا الخلل, اي تجديد الوعي النضالي الذي تعمل من خلاله وبالتالي ظهور انتيليجنسيا وطبقة سياسية جديدة تمارس النمط العلمي والنضالي.

النمط العلمي والموضوعي يعني أن المفاهيم والتصورات التي ينطلق منها او يرجع اليها, تتطابق مع الوقائع المعروفة حول الموضوع الذي تنشغل به, ليس كل الوقائع بل اكثرها علي الأقل, او بقدر كبير منها فهو كاف للتدليل علي وجود نظام أساسي تكشف عنه اي عن علاقات انتظامية أساسية تنظيمها. فدرجة صحتها ترتبط بدرجة تطابقها مع الواقع التي تكون موضوعا لها. فالوقائع والأحاسيس المباشرة تخدع في مظهرها, وعادة لايمكن إدراكها إن نحن أقتصرنا عليها, ولم نخترق هذا المظهر عن طريق تدخل العقل العلمي والموضوعي.

الفكر الذي لايمثل بشكل ما هذه المعرفة والذي لايرتبط بالواقع الموضوعي او يدل علي صحته بالرجوع الي الوقائع الميدانية يكون تعبيرا عن مشاعر ورغبات وحوافز ذاتية ومصلحية, وبالتالي يجب تجاهله في ضوء العقلانية العلمية والموضوعية.

 جميع منجزات الحضارة الحديثة من الفيزياء الي علم التحليل النفسي, من الثورة الفضائية الي الثورة المعلوماتية, الي الثورة البيولوجية الحالية, الخ… تعود الي هذه العقلانية. تصحيح مسيرة النضال الأحوازي ونقله الي صعيد تاريخي و موضوعي جديد فعال يفترض تزاوجه بهذه العقلانية. هذا يعني تغير نمط التفكير الذاتي, او “العقلية التبشيرية” الطوبائية وكذلك تغيير العقلية الانهزامية والذوبان بالآخر.

أن ولادة نمط فكري جديد يعني بأستمرار سقوط نمط قكري سابق, وظهور انتيليجتسيا وطبقة سياسية جديدة تنطلق منه. الانتيليجتسيا التي تعمل دون هذه العقلانية العلمية الموضوعية التي تنظم بها الوسط الخارجي او العمل السياسي والنضالي من زاوية معينة, قد تري كل مايجب رؤيته من مظاهر وأحداث خارجية, لكنها تعجز عن اختراقها وصولا الي الجوهري و الأساسي الذي يحركها من الداخل.

 إنها تري التفاصيل لكن ليس الكل المترابطة فيه, الأحداث ولكن ليس العلاقات الأنتظامية التي تنظمها. الواقع بالنسبة لانتيليجنسيا كهذه يعادل فقط مجموع الوقائع والظواهر التي يدل عليها, ولهذا فان الواقع ككل مترابط, كسيرورة, كاتجاهات موضوعية, يفاجئها دائما بعمله. هذا لايعني سقوط كل عمل او انتاج يصدر عنها, بل النمط الفكري, والنظريات و المفاهيم التي تنطلق منه في تغيير الواقع في سبيل مقاصدها.

الوعي العلمي يلتحم بالواقع الموضوعي ويرتبط به باستمرار, والعمل السياسي والنضالي يرتبط هو ايضا بوعي معين يتجه به ويترجمه الي واقع, فان صح هذا الوعي الذي يقوم بذلك كان من الممكن لهذا العمل ان يكون فعالا في تحقيق مقاصده واستخدام الإمكانات التي تتوفر له. الإمكانيات الضرورية للنجاح توفرت للأنتيليجنسيا والطبقة السياسية الأحوازية ولكن الوعي العلمي والنضالي السليم لم يتوفر لها, وهذا كان يعني تأزمها. المفكر السياسي يدرس وقائع الوسط الخارجي من زاوية معينة لأنه يريد تفسيرها وادراكها مدفوعا بحب المعرفة والتغير, لأنه يريد أن يدرك كي يكتشف الكيفية التي يعمل بها الناس, وهو يريد ادراك الأسباب التي تفسر سلوكهم, او كي يطوع هذا الوسط لمقاصد معينة. و لكي يحقق هذا كله يجب أن يتجاوز الوقائع الفردية ويكشف عن العلاقات الأنتظامية او القوانين التي تشكل النظام العام الكامن وراءها[ii].

هذا لايعني أن هناك كائنات إنسانية او جماعات معينة دون وعي, واخري تمثل هذا الوعي تماما, لأن الوعي يتخذ درجات ومستويات مختلفة مترابطة, ويتدرج بشكل غيرملحوظ من اشكال خافتة ومحدودة إلي اشكال واضحة ومتكاملة نسبيا, فان قليلا من الوعي قد يكون أخطر شيء, كما يكتب احد المؤرخين الفلاسفة[iii], ولهذا يجب أن نعمل علي أن نكون ذوي وعي واضح وتام لما نحن عليه, اين نكون وكيف وصلنا الي الحالة الراهنة التي نعيشها.

الكاتب : المرحوم محمد النواصري

 

كافة حقوق النشر محفوظة لموقع بادماز. ما ينشر في هذا الموقع لايعبر بالضرورة عن موقف التيار الوطني العربي الديمقراطي في الاحواز.

الصعود لأعلى