انت هنا : الرئيسية » ثقافة ومجتمع » واجتاحني حب كارون/25

واجتاحني حب كارون/25

قبل ثلاثة أيام من ارتكاب سلطات الإحتلال الفارسي مجزرة الأربعاء السوداء بحق شعبنا في المحمرة إلتقيت بالشهيد الحجي في منطقة (( الدُرّة )) فی گراج لتصليح السيارات يقع على شارع يسمى شارع الأربعين متر في االمحمرة وهو شارع معروف للجميع،

هذا الگراج هو الوحيد من البقية الذي كان يحمل لوحة مكتوب عليها بالعربية (( گراج الشعب )) ولم تكن تحمل هذه اللوحة أي كلمة فارسية، وتبيّن بعد ذلك بأنه هو ملكهم والملك لله ويعمل به بعض أخوته وأقاربه وكان گراج كبير.

في هذا اللقاء عرّفني الحجي الشهيد ابو عواد على أحد الشعراء الاحوازيين والذي كان قد جاء من مدينة الأحواز لزيارة الحجي آنذاك ، وهذا الشاعر هو من الشعراء الكبار الذين يكتبون الأبيات الأبوذية الحماسية والتي تتحدث عن رفض الإنسان العربي الأحوازي للظلم والذل والهوان وتتحدث عن الشجاعة والكرم والسخاء الأحوازيّيَن والتي كان يغنيها كبار المطربين الذين كانوا يغنون العلوانية وهو نوع من الغناء الخاص بالأحواز أمثال المطربين: ((خضير ابو عنب ))، و (( أحمد كنعاني المعروف بأحمد الحويّر ))، و ((عبد الأمير ادريس ))، و ((عبد الأمير العيداني )) ، و ((عبد الواحد الطرفي ))، و (( ملا صالح )) و (( حمدي صالح ))وكثيرون من مطربي تلك الحقبة الزمنية وخطى على نهجهم مطربي هذا الجيل الذين روّجوا لهذا اللون من الغناء الذي يجب أن نحتقظ به كتراث أحوازي ونعرّف به الأخرين من الشعوب.

تجاذبنا الحديث معا حول الشعر وخاصة الشعر الوطني الثوري والذي يمكنه أن يهيّج النفوس ويلهب حماسة أبناء شعبنا العربي الأحوازي ويزيد من عزيمتهم وهمتهم وهّم يقاومون الإحتلال بشتى الوسائل والطرق وهذه الوسيلة هي من أهم الوسائل التي يجب أن نواجه بها هذا العدو الغاشم.

نعم عرفني على ذلك الشاعر الكبير ورحب بي الرجل المعروف بمستواه (( الله ايطوِّل عمره )) وكان صاحب تواضع لا يوصف واخلاق كبيرة إضافة إلى حسه الشاعري الواسع.

بعد هذا اللقاء لم التقي بالشهيد الحجي إلا بعد الأربعاء السوداء بثمانية أيام تقريبا.

أعزائي المتابعين لهذه السلسلة

قبل أن ندخل في تفاصيل مجزرة الأربعاء السوداء يجب أن أذكر بأنني آخر من التقيت به في شوارع المحمرة بعد أن تمكن الجزارين والقتلة من أتباع المجرم المقبور أحمد مدني من احتلال مبنييّ المنظمة السياسية للشعب العربي الأحوازي والمركز الثقافي العربي في المحمرة هو الأخ طاهر بن المرحوم الحاج ياسين الصرّاف – أبو جمال أو كما يعرفه البض بطاهر حلمي زادة والذي لم أراه بعد ذلك اليوم لمدة اربعة وعشرون عاما حتى أوائل عام 2004 في مدينة البصرة ولم التقي به أيضا بعد ذلك التاريخ وإلى يومنا هذا سوى إنني أكلمه بالهاتف رغم إنه يعيش حاليا في المهجر، وكذلك الشاب الشهيد الخالد البطل ثمين الفيصلي والذي كان عمره آنذاك لا يتعدّى السادسة عشرة سنة والذي أعدم فيما بعد في سجن إيفين بطهران بعد أن تم أسره في جبهات القتال بداية الحرب الإيرانية المفروضة على العراق وهو إبن الثامنة عشرة عاما عندما كان يقوم بواجبه الوطني والقومي، حيث بقي في الأسر لمدة ما يقارب عشرة أعوام في اقفاص الأسر في إيران وطبقا لما روى لنا أحد الأسرى العراقيين الشرفاء الذين كانوا معه طيلة هذه الفترة في أقفاص الأسرى العراقيين في إيران ورجع إلى العراق عندما تم الإتفاق على ترحيل الأسرى المرضى إلى البلدين، حيث إن هذا الأسير العراقي كان من ضمن الأسرى المرضى الذين تم ترحيلهم، وأضاف هذا الأسير  فإن الشهيد ثمين لم يتم التعرف عليه بأنه مواطن أحوازي إلاّ بعد أن وشى عليه أحد المحسوبين على الشعب العراقي من الذين أصبحوا عملاء لنظام إيران وأطلق عليهم (( التواّبين )) الذين يعلنون التوبة والولاء لهذا النظام والذين ينتمون إلى حزب الدعوة وفيلق بدر ويبقون في الأقفاص يعملون ضد الأسرى العراقيين الشرفاء الذين يرفضون أن ينخرطون في صفوف هذه المليشيات صنيعة هذا النظام مثلما تم كشف شهيدنا لسلطات الأقفاص  بواسطتهم، وذلك حينما نصح الشهيد ثمين أحد هؤلاء التوّابين – وكان لم يعرفه بأنه توّاب – بل نصحه لوجه الله وبنيّة سليمة بنصيحة ما، وإذا بهذا التوّاب المذنب المجرم يصرخ بأعلى صوته – كي يُسمع حراس السجن – قائلا له أسكت أنت خائن.

وأضاف وبصوت عالٍ أيضا:

 إن هذا الشخص يكذب عليكم وهو ليس جندي عراقي بل إنه أحوازي من الجبهة العربية لتحرير الأحواز أرسلوه في مهمة إلى جبهات القتال، عندها قاموا بنقل الشهيد ثمين من أقفاص الأسر إلى سجن إيفين – السجن الذي عندما يخرج منه شخصا حيا يعتبر مثل الذي ولدته أمه توا – وبعد التعذيب وصبّ ماء النار (( التيزاب ))  على جميع أعضاء بدنه وكسر وقلع رباعيته (( أسنانه جميعا )) وقلع عيونه أطلقوا عليه النار واستشهد بتاريخ 12/9/1991 والتحق بقافلة شهداء الأحواز وهي تسير حتى النصر النهائي، يوم ينادي المنادي تحررت الأحواز من براثن الإحتلال الفارسي…ذلك اليوم الذي  يرونه بعيدا لكننا نراه قريب بإذن الله تعالى.

إضافة إلى ما ذكر كان بجانبي مناضل آخر يعيش حاليا في إحدى المدن الأحوازية ومازال يناضل من موقعه ويعطي لوطنه بما يتمكنه دون أن يعلن عن شئ لأن الذي يعمله يعتبره واجب وطني يعمله بدون منّة أو مبالغة.

طبعا لا أنسى أن أذكر بأنّ آخر من كنت معه داخل مبنى المنظمة السياسية هو الشهيد عباس سعودي والأخ المناضل هادي أبو محمد قبل أن نخرج مضطرين من المبنى، حيث ذهب هادي في طريق يؤدي به إلى بيت المجاهد الشهيد آية الله الشيخ محمد طاهر الخاقاني وأنا ذهبت في طريق آخر ولم ألتقي به منذ ذلك اليوم إلا عندما خرج للمهجر عام 2010 فقط.

سنتحدث عن الكثير فيما يخص مجزرة الأربعاء السوداء و بماذا كان يفكر الناس آنذاك وما ذا كانوا يخططون وماذا حدث بعد ذلك، ولكن قبل كل شئ من حق المتابع أن يعرف عن طبيعة المحمرة وأهالي المحمرة وأعمالهم وزراعتهم وصيدهم وأعمالهم الحرة ويتعرف على بسطائها من الناس وعلمائها وسياسييها ومثقفيها وبماذا كانوا يفكرون قبل وأثناء ذلك اليوم المشؤوم، وأيضا على تجارها وتجارتهم وما شابه ذلك.

بما إنني من قليلي التجربة في مجال الكتابة لمثل هذه المواضيع لا بأس أن استمع إلى آراء ومقترحات الآخرين والنقد البناء لأساتذة كبار من أبناء وطني خبروا ميدان الكتابة والتأليف خاصة أولئك الذين هم من أهل الدراية والإختصاص الإجتماعي والنفسي والفلسفي والقانون والسياسة وأهل التجارب، ولهذا أعتز بكل اتصال يأتيني منهم ويدلني على ما يفيد شعبي حين كتابة مثل هذا الموضوع والإبتعاد عن الشخصنة والسرد الممل ويرشدني إلى اسلوب أنجع وأنجح مثلما فعل الأستاذ جابر أحمد  حين اتصل بي صبيحة يوم الأثنين 11/11/2013  مشكورا وبارك لي هذه السلسلة التي مازلت أكتبها وأعطاني بعضا من خبرته في مجال الكتابة والتأليف ونعتز بجميع أبناء الوطن المثقفن مثل الكاتب الأحوازي المرموق والمعروف الأستاذ القدير عبدالنبي القيّم وغيره من الكتاب الذين لهم باع طويل في هذا المجال لأنهم من ذوي الخبرة والإختصاص والتجارب الأدبية والإجتماعية والسياسية.

نعم يجب أن أتعلم منهم، أتعلم منهم أن أعطي للقارئ الصورة كاملة عن أي مكان أكتب عنه، عن جغرافيته وعن أهله وطبائعهم وأعمالهم ومستوى تفكيرهم خاصة إذا ما كتبت عن مكان وأنت من أهل ذلك المكان لأنك أنت الأعرف به من غيرك فيجب عليك أن تكتب عنه كل شئ كي يطلع القارئ وتفيد به تاريخنا للأجيال الآتية.

وعليك أيضا عندما تقول التقى فلان بأناس أو أطراف سياسيين أن تبين للقارئ ماذا كان يقصد بهذا اللقاء وماذا كان الهدف منه وعلى أي أساس التقى.

نعم هذه كلها نصائح وأنا أعتز بها وعليّ أن أطبقها لأن فيها المصلحة العامة وأتمنى أن أكتب عن أشياء شاردة عن ذهني اتذكرها في المستقبل، وهذا ما نحتاجه من أبناء شعبنا أن يسندوا أخوتهم في كل شئ ، وعلى من يتم نقده أو إرشاده أن يتقبل ذلك النقد والنصح والإرشاد بكل ممنونية وبروح شفافة ورياضية ويتفاعل مع هذا النقد ويدرسه ويناقش المتوجه إليه بالنقد البناء لا أن يكتفي فقط بكلمة نعم وعشت وأنت صحيح ويجامله حتى يخرجون الأثنين بنتيجة يخدمون بها المصلحة العامة والقضية برمتها، لأن الناقد لديه وجهة نظر لربما  تتفق أنت معها بنسبة مئوية معلومة ولكن لديك في البقية الباقية وجهة نظر أخرى تراها أنت أصح من وجهة نظر الناقد وعليك ان تناقشه وتقنعه ويقنعك ولا تتطيرون من نقد ومناقشة بعضيكما، لأن النقد هو أساس بناء الشخصية لكل إنسان، ورحم الله امرئ قوّمني ودلاني وأرشدني إلى ما فيه الخير والصلاح.

بقلم: فؤاد سلسبيل

ملاحظة:

من أجل تزويدنا بمعلومات، أو تصحيح معلومة، أو تزويدنا بأسماء الشهداء أو بقية المناضلين الذين لربما ننساها ولا نذكرها مع الأسماء التي نذكرها في الحلقات، أو من أجل أي استفسار تودون أن تستفسروه منا، يرجى التواصل معنا عبر الأيميل التالي:

a7wazna_1925@yahoo.com

كافة حقوق النشر محفوظة لموقع بادماز. ما ينشر في هذا الموقع لايعبر بالضرورة عن موقف التيار الوطني العربي الديمقراطي في الاحواز.

الصعود لأعلى