انت هنا : الرئيسية » سياسة » إيران مقبلة على التفكك

إيران مقبلة على التفكك

تظهر كل مرة قضية القوميات غير الفارسية بشكل ما وترتدي لباساً ما، كي تنجو من بطش النظام الايراني الذي تهيمن عليه القومية الفارسية. منذ 4 سنوات ونحن نشهد ظاهرة استغلال القوى القومية الأذرية في اقليم اذربيجان لفريق نادي  تراكتور  في مدينة تبريز عاصمة الاقليم وذلك لاغراض سياسية. والاتراك الأذريون يتلفظون المفردة بشكل  تراختور  ويقومون ليل نهار بالدعاية لناديهم القومي المفضل في كل مكان، داخل ايران وخارجه. اي انه تحول الى رمز قومي وسياسي للملايين الاتراك الأذريين في ايران. اذ شاهدنا في الاعوام المنصرمة، حضورالالوف من الجماهير المؤيدة لفريق  تراختور  في الملاعب وخلال المباريات العديدة التي تمت مع اندية اخرى في المدن الايرانية المختلفة ومنها العاصمة طهران.
70 ألف متفرج في تبريز وشعارات قومية وانفصالية
والمباريات الاخيرة كانت بين فريقي  تراختور  والجزيرة الاماراتي حيث خلافا للمباريات التي كانت تتم مع الاندية الايرانية الاخرى رحب الجمهور في ملعب سهند  يادغار امام رسميا  بالفريق الاماراتي مرددا هتافات مختلطة تركية ــ عربية مثل  اهلا و سهلا مرحبا. وقد استغرب فريق الجزيرة الاماراتي عند دخوله ارض الملعب وهو يواجه تشجيعا قويا من قبل الجمهور الأذري مما أدى الى تصوير هذا المشهد المثير. والحافز لهذا التشجيع للفريق الخصم يعود الى ان الاتراك الأذريين يعتبرون العرب في ايران وخارجها اصدقاء لهم خلافا للفرس الذين لا يكنون لهم الحب والصداقة.
وقد تغلب فريق  تراختور  تبريز على ضيفه الجزيرة الاماراتي بثلاثة أهداف مقابل هدف، الثلاثاء في الجولة الأولى من مباريات المجموعة الأولى لدوري أبطال آسيا لكرة القدم.
وقد أجج الفوز هذا، حماس المتفرجين الاتراك حيث رفعوا شعاراً كبيراً مكتوباً عليه  أذربيجان الجنوبية ليست جزء من ايران . وهم يعنون بأذربيجان الجنوبية، اقليم أذربيجان الايراني الواقع في شمال غرب البلاد والذي يضم اكثر من 20 مليون تركي أذري، فيما يبلغ عدد اجمالي العنصر التركي في ايران بمن فيهم الاتراك في شمال غرب ايران والقشقائيين في جنوبها نحو 25 مليون اي نحو ثلث نسمة البلاد. لكن هؤلاء ــ الى جانب العرب والكرد والبلوش ــ محرومون من ادنى حقوقهم القومية بما فيها التعليم بلغة الأم في المدارس الابتدائية ويعد ذلك الحافز لحراك واسع بين ابناء القومية التركية الأذرية لمعارضة الحكم المركزي الحديدي في طهران.
وقد رددت الجماهير الأذرية في ملعب سهند بمدينة تبريز هتافات تؤكد حقهم في تعليم اللغة التركية، وتعارض الدعم الايراني للحكومة الارمنية التي تحتل اجزاء من اراضي جمهورية أذربيجان الشقيقة. لكننا لم نسمع الهتاف المعهود اي  الخليج العربي  يوم امس ويبدو ان ترديده ينحصر على المباريات التي تتم في المدن الفارسية والعاصمة طهران حيث يثير حنق الفرس الذين يؤكدون على فارسية الخليج ويحتقرون الاتراك الأذريين في هتافاتهم ــ وادبياتهم بشكل عام ــ ويصفونهم بالحمير والاغبياء.
وقد استمر الجمهور الأذري في ترديد هذه الهتافات وحمل الشعارات في تظاهرات جابت الشوارع الرئيسية لمدينة تبريز بعد ختام المباراة. وافادت مصادر مطلعة ان قوات الامن اعتقلت العشرات من المتظاهرين ونقلتهم الى امكنة مجهولة.
وفيما يؤكد بعض النشطاء السياسيين على امتلاك الحرس الثوري لنادي  تراختور  ويرى اصابع بعض اجنحة النظام وراء هذا النادي، غير ان ناشطين اخرين يرون فيه متنفسا للتعبير عن رغبات الشعب الأذري مهما كان مالك النادي.
ماذا يعني حراك الشعب التركي الأذري في ايران؟
اقام الشعب التركي الأذري في 1945 حكومة تتمتع بحكم ذاتي بقيادة الزعيم جعفر بيشهوري، لكن الجيش الشاهنشاهي قضى عليها بعد عام من اقامتها وحرق الكتب التركية وقتل واعدم الالوف من ابناء هذا الشعب. وقد حاولت النخبة الدينية والعلمانية بعد قيام الثورة عام 1979 ان تلملم صفوف هذا الشعب مرة اخرى، لكن السلطة الاسلامية الوليدة واجهت هذا الامر بالقوة وقمعت وسجنت كل الشخصيات التي كانت تطالب بالحقوق القومية للشعب التركي الأذري. وقد شهد الحراك الجديد لهذا الشعب زخما كبيرا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي واستقلال جمهورية أذربيجان التي لايختلف شعبها مع الأذريين في ايران ثقافة ولغة.
وقد انتفض الشعب التركي الأذري في حزيران 2006 احتجاجا على التمييز والاضطهاد القومي وذلك بعد عام من انتفاضة الشعب العربي الاهوازي. وسقط خلال التظاهرات المليونية التي شهدتها مدن اقليم أذربيجان، عشرات القتلى ومئات الجرحى. ويرزح حاليا المئات من النشطاء الاتراك في سجون ايران بسبب مطالبتهم بحقوقهم اللغوية والثقافية والسياسية في ايران.
ومن الانشطة الاخيرة للنخبة الأذرية، توجيه نحو 600 معلم وطالب جامعي من أذربيجان ايران رسالة مفتوحة الى الصحف الايرانية يوم 23 شباط الماضي بمناسبة اليوم العالمي للغة الام. وقد انتقدت الرسالة اهمال السلطات والصحف الايرانية في طهران للغة التركية الأذرية مطالبين بتخصيص صفحات في هذه الصحف تحرر باللغة التركية الأذرية.
وتنقسم النخبة الأذربيجانية بين الذين يطالبون بالاستقلال والالتحاق بالشقيقة جمهورية أذربيجان وبين الذين يطالبون بحكم فدرالي في اطار ايران. وهذا ما نشاهده ايضا بين الاهوازيين في اقليم عربستان والاكراد في اقليم كردستان ايران. ويشهد الحراك الاستقلالي بين الاتراك الأذريين نموا مطردا ويميل اكثر للراديكالية والاستقلالية اثر عدم تلبية السلطات الايرانية مطالب هذا الشعب في احقاق حقوقه اللغوية والثقافية. وهذا ما نراه ايضا بين سائر الشعوب غير الفارسية لكن الفرق هو ان السلطة المركزية في طهران تخشى الاتراك اكثر من الكرد والعرب والبلوش لاسباب عديدة منها عددهم الكبير ونفوذهم في الاقتصاد والجيش والحرس الثوري وتاثيرهم التاريخي في الحركات التحررية والديمقراطية التي شهدتها ايران منذ ثورة الدستور عام 1906. اذ لعب الاتراك الأذريون دورا هاما في قيام تلك الثورة ولا يمكن ان نغض الطرف عن دورهم الاساسي في ثورة فبراير 1979.
ومن مفارقات الزمان ان شخصيات فكرية أذرية بارزة كأحمد كسروي لعبوا دورا هاما في توحيد ايران المهددة بالتقسيم في اوائل القرن العشرين، لكن ورغم ذلك يرى الجيل الحالي ان الشعب التركي الأذري غُبن من قبل النخبة الفارسية في جميع الثورات التي شهدتها ايران في القرن العشرين ولم تُعط حقوقه، بل اصبحت المركزية الحديدية واللغة والثقافة الفارسيتان هما السائدتان في ايران عقب الثورتين الدستورية والاسلامية وذلك رغم مشاركة الاتراك الأذريين الحاسمة وتضحياتهم في تلك الثورات والحركات السياسية والجماهيرية.
أين تتجه الشعوب غير الفارسية؟
لم يعرف حتى الآن ما هو الاتجاه الغالب بين الشعب التركي الأذري في ايران ــ هل الاغلبية تريد الاستقلال او الالتحاق بجمهورية أذربيجان ــ ام انهم يريدون اقليم فدرالي في اطار ايران كما عملوا له في 1945؟ وهل تساعد موازنة القوى الاقليمية والدولية على استقلال أذربيجان من ايران ام ان بعض هذه القوى تستخدم الحراك الداخلي لهذه القومية من اجل الضغط على النظام الايراني المارق.
وعشية الانتخابات الرئاسية في ايران يتوقع المراقبون ان يشتد الحراك القومي ليس بين الشعب التركي الأذري فحسب بل بين الشعوب غير الفارسية الاخرى كالعرب والكرد والبلوش. كما تستغل الجماهير الايرانية الفجوة المتزايدة بين اجنحة النظام المتصارعة للتعبير عن امتعاضها للسياسات الاقتصادية والداخلية والخارجية للنظام الايراني.

بقلم: يوسف عزيزي

المصدر: الزمان

كافة حقوق النشر محفوظة لموقع بادماز. ما ينشر في هذا الموقع لايعبر بالضرورة عن موقف التيار الوطني العربي الديمقراطي في الاحواز.

الصعود لأعلى