انت هنا : الرئيسية » سياسة » التوترات العرقية في ايران

التوترات العرقية في ايران

هنا تحقيق استقصائي نادر وفريد من نوعه للصحافي الإنكليزي المشاكس جون آر. برادلي، عن الشعوب والأعراق فی ایران، كان قد كتبه بعد زيارة لإيران استمرت ثلاثة أسابيع في أوائل عام 2006، ونجح في الوصول إلى منطقة الأحواز (التي كان اسمها عربستان قبل أن يغيره الشاه رضا بهلوي الى “خوزستان” عام 1936)، ذات الأغلبية العربية والغنية بالنفط على الحدود مع العراق.

وزار كذلك غيرها من مناطق الأقليات العرقية ليكتب هذا التقرير ثم ينشره في دورية «واشنطن كوارترلي» المرموقة المتخصصة بالعلاقات الدولية والقضايا الإستراتيجية. وقد اضطررت لشراء التقرير بمبلغ أكثر من مكافأة ترجمته للعربية لأنه غير متاح لغير المشتركين في المجلة.

ولد جون برادلي عام 1970 في إنكلترا، وتخصص في الصحافة في جامعة يونيفيرسيتي كوليدج لندن، دارموث، وفي إكستر كوليج. يتكلم العربية بطلاقة باللهجة المصرية، وعمل مراسلاً مستقلا في الشرق الأوسط منذ عام 1999، لحساب مؤسسات مرموقة مثل واشنطن كوارترلي وذا نيو ريببلك، ورويترز وملحق تايمز الأدبي، وواشنطن تايمز وديلي تيلغراف، وذي إندبندنت، وذا فاينانشال تايمز.

ويظهر برادلي باستمرار في كبرى وسائل الإعلام ليحلل شؤون الشرق الأوسط والإرهاب. عمل محرراً في جريدة عرب نيوز السعودية في جدة لمدة سنتين ونصف، وأصدر بعد رحيله كتاب “تعرية العربية السعودية” في عام 2006.

كما أصدر عام 2008 كتاب “داخل مصر” الذي تنبأ فيه بالثورة المصرية وقد ترجم إلى العربية مؤخرا بعنوان “في قلب مصر: أرض الفراعنة على شفا الثورة”. وحاز برادلي قصب السبق عام 2012 بإصدار كتاب رائد توقع فيه فشل الانتفاضات العربية بعنوان “ما بعد الربيع العربي: كيف خطف الإسلاميون ثورات الشرق الأوسط”، ليكون تقريبا أول من تنبأ بفشل الربيع العربي ووقوع ثورة مضادة كما شرح بوضوح في الكتاب.

أما آخر كتبه، فهو بعنوان “خلف حجاب الفسق”، وخصصه للجنس في بعض الدول العربية وإيران، وهو أهم كتبه نظرا لندرة محتواه وكونه مبني على رحلات ميدانية قام بها برادلي بنفسه.

التقرير:

يبلغ عدد سكن إيران 70 مليون نسمة نصفهم فقط من العرق الفارسي والبقية من أعراق أخرى تشكل أقليات مهمة كـ الأزربيجانيين والأكراد والعرب والتركمان والبلوش واللور(الأكراد الفيلية).

وفي نظر العديد من المراقبين، فإن هذا التنوع العرقي غير العادي يجعل إيران مثل إمبراطورية متعددة الجنسيات يهيمن عليها الفرس، تقريباً كـ”الاتحاد السوفياتي” ذات مرة عندما كان يهيمن عليه الروس. الأقليات العرقية في إيران يجمعها شعور مشترك ومتجذر بالعنصرية الفارسية التي تمارسها ضدهم حكومة طهران المركزية.

وقد أدت إستراتيجية طهران التنموية المركزية إلى خلق فجوة اجتماعية/اقتصادية واسعة بين المركز والأطراف، حيث نتج منها أيضاً توزيع غير متكافئ للموارد الاجتماعية/الاقتصادية، وتفاوت ملحوظ في الأوضاع الاجتماعية/الثقافية.

والاضطرابات داخل الأقليات العرقية الكبرى آخذة في الازدياد وتغذيها المظالم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية منذ فترة طويلة ضد طهران.

وفي الآونة الأخيرة، تشجع أبناء هذه الأعراق بسبب عزلة طهران الدولية واستلهموا نجاحات إخوانهم العرقيين في الدول المجاورة، مثل الأكراد والتركمان اللذين يؤديان الآن دوراً رئيساً في الحكومة العراقية، لرفع أصواتهم للمطالبة بحقوقهم.

وفي الوقت نفسه، وبإحساس أن اللحظة المناسبة قد جاءت، بدأت جماعات المعارضة في الخارج بقيادة منفيين إيرانيين، حملة مشتركة مع تلك الأقليات للحصول على دعم دولي أكبر.

لقد جمع مؤتمر واشنطن في أوائل عام 2006، على سبيل المثال، بين ممثلي منظمات كردية وبلوشية وأحوازية وتركمانية وأذربيجانية، جميعها تهدف لتشكيل جبهة مشتركة قوية ضد نظام طهران.

كان الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، قد تعهد أثناء حملته الانتخابية الرئاسية أنه مع فريقه الوزاري سيزور جميع محافظات إيران الثلاثين خلال السنة الأولى لتوليه منصبه لتسوية المشاكل المحلية طويلة الأمد ومعظمها يتعلق بالعرق أو الدين.

ولكن بحلول الذكرى السنوية الأولى له كرئيس، كان بالكاد قد زار نصف المحافظات تقريباً فحسب، لأن عددا من تلك المحافظات أصبح خارج نطاق الزيارة جراء تصاعد التوترات العرقية والطائفية.

والحقيقة أن إيران في الآونة الأخيرة تعاني من بعض أسوأ أعمال العنف العرقية في تاريخها الحديث.

النظام الإيراني الديني لا ينكر أخطار الطبيعة متعددة الأعراق للبلاد، ولكن التصريحات العلنية الرسمية لكبار شخصيات النظام، تشير عادة إلى أن سبب العنف الداخلي في الدولة هو «التدخل الخارجي».

وفي اليوم التالي لإغلاق صحيفة حكومية إيرانية لنشر رسم كاريكاتوري عنصري تسبب في اضطرابات وأعمال شغب، لكونه يشبّه مواطني إيران الآزربيجانيين بالصراصير، اتهم أحمدي نجاد الولايات المتحدة وحلفاءها بترتيب مؤامرات لإثارة توترات عرقية لزعزعة استقرار بلاده!!!

وقال أحمدي نجاد، في كلمة بثها التلفزيون الحكومي مباشرة: «ينبغي أن تعلم الولايات المتحدة وحلفاؤها أنهم لن يقدروا على إثارة الانقسامات والخلافات بين أعراق الأمة الإيرانية المجيدة».

وبالمثل، فإن المملكة المتحدة التي تُشتم دائماً ويلقى عليها اللوم دائما وعلى نطاق واسع من قبل الحكومة الإيرانية وعامة الشعب على حد سواء، باعتبارها تتطفل باستمرار في الشؤون الإيرانية الداخلية، تتهم بأنها وراء العنف في الأحواز، التي يسكنها العرب الذين يملكون تاريخاً عريقاً، فضلاً على علاقات قبلية تربطهم مع جيرانهم العرب عبر الحدود العراقية.

ولكن من وراء الكواليس، يبدو أن الحكومة الإيرانية تدرس بعمق وحذر الأسباب الجذرية للاضطرابات العرقية الإيرانية. وقد حذر «مركز المجلس الإسلامي للبحوث»، وهو مؤسسة بحثية حكومية إيرانية، في تقرير سري لعام 2005، أن البلاد سوف تواجه اضطرابات داخلية أكثر خطورة وجدية ما لم تعالج الحكومة بشكل أفضل احتياجات الأقليات العرقية.

وحدد اثنين من التحديات الرئيسة التي تواجه النظام في هذا الصدد: أولاً، البطالة بين الشباب في مختلف الأعراق والمناطق ، والتي يمكنها تأجيج نيران الاستياء تجاه طهران.

وثانيا، أشار التقرير أيضاً إلى مشكلة الفقر المنتشر لدى الأعراق غير الفارسية، وبخاصة المستقرة على الحدود، والتي هي تاريخياً أكثر عرضة للتلاعب والتأثير الخارجي.

ولكن هل يمكن لهذه الاضطرابات الداخلية أن تهدد استقرار الحكومة الإيرانية وسيطرتها على أراضيها وسكانها؟ وأبعد من ذلك، إذا وضعنا رغبة الغرب في بزوغ نظام إيراني أكثر اعتدالاً، فهل ينبغي أن يستخدم هذه التطورات لصالحه؟

الأحوازيون العرب

لقد شهدت إيران مؤخراً بعض أسوأ أعمال العنف العرقية في تاريخها الحديث. وتعتبر محافظة خوزستان الجنوب غربية مع مواردها الضخمة من النفط والغاز والمياه، عصب الاقتصاد الإيراني.

وتتخلل سهولها الشاسعة والقاحلة ألسنة لهب بسبب حرق الغاز في عشرات منصات التنقيب عن النفط، والتي توفر لطهران نحو 80 في المائة من عائدات إنتاج النفط الخام.

وتشكل الاضطرابات العرقية بين العرب في الأحواز الواقعة على الحدود مع جنوب العراق – وهي موطن لكثير من العرب (معظمهم من الشيعة) الذي يقدر عددهم الإجمالي بمليوني نسمة- لطهران تهديدات أمنية داخلية خطيرة.

وعلى الرغم من موارد الأحواز الطبيعية الهائلة، إلا أنها تعتبر حالياً من بين أفقر محافظات إيران وأقلها تحديثاً.

ولأنها قصفت بلا هوادة من جانب العراق خلال الحرب الإيرانية-العراقية خلال الأعوام 1980-1988، فإن مدنها الرئيسة دمرت.

العاصمة الأحواز، تفتقر إلى فندق لائق، ويُستقبل زوار وسط المدينة (الداون تاون) برائحة نتنة من المجاري المفتوحة بقرب المستشفى الرئيس. ويعتبر الإدمان على المخدرات مشكلة رئيسة.

وفي المساء، تنتشر على ضفة النهر (نهر كارون) مجموعات من المدمنين الذين يناقشون تطورات إعادة التأهيل تحت إشراف الأخصائيين الاجتماعيين.

عندما غزا صدام حسين إيران في عام 1980، على أمل الاستفادة من فوضى ما بعد الثورة الإيرانية للاستيلاء على حقول النفط، صَوَّرَ صدام حسين نفسه على أنه محرر عرب الأحواز(عربستان).

وبالرغم من أن العديد من العرب الإيرانيين في المدن الحدودية دعموا العراق علناً، إلا أن الغالبية في الأماكن الأخرى لم يفعلوا ذلك، ربما لأن غالبيتهم من الشيعة الذين يتعرض إخوانهم في العراق للاضطهاد تحت حكم صدام.

العرب المحليون يشكون من أنه نتيجة لانقسام ولائهم خلال الحرب بين إيران والعراق، فإن نظام الملالي في طهران ينظر إليهم الآن كـ«طابور خامس» محتمل.

في قرية عربية فقيرة على بعد ثلاثة أميال من الأحواز عاصمة الاقليم، تمر خطوط أنابيب النفط بين المنازل لتنقل النفط من وحدات الحفر المجاورة إلى مصافٍ بالقرب من الخليج العربي.

يقول أحد الشبان المحليين الذي يعمل مهندساً في وحدة حفر الآبار: «ليس لدينا أي حرية هنا، وعلى الرغم من أننا نعيش فوق كل ثروات البلاد، إلا أننا لا نحصل على أي فائدة من ذلك».

وقال لي رجال إن «الفارسية» هي اللغة الوحيدة التي تدرس في مدرسة القرية على الرغم من أن جميع الطلاب هم من العرب، (ولكنهم طلبوا مني عدم ذكر أسمائهم ولا حتى اسم القرية حتى لا تنتقم منهم ومنها طهران)، وكذلك لا يسمح لأي صحف باللغة العربية أن تنشر في المحافظة.

وقالوا إنهم يعانون أيضاً من مستويات بطالة أعلى بكثير من الفرس. وأضاف رجل آخر في منتصف العمر: «تقول الحكومة إننا خونة». وأضاف إنه عاطل عن العمل مثل معظم أفراد عائلته. ثم شرح لي: «نحن إيرانيون، وحكومة طهران هي الخائنة لأنها ترفض منحنا حقوق مساوية للفرس».

وفي الوقت نفسه، كان معظمهم ناقدين بشدة لغزو الولايات المتحدة للعراق. وكان تعليقهم الرئيس على ذلك: «ما فائدة الديمقراطية والحرية إذا لم يكن هناك أمن؟».

وقبضت الحكومة على 50 عربياً تقريباً قيل إنهم تورطوا في سلسلة من التفجيرات التي قتلت 21 شخصاً بعد أعمال شغب مناهضة للحكومة اندلعت في أبريل 2005.

وذُكر أن ما لا يقل عن 20 قد قتلوا، وجرح المئات في أعمال الشغب تلك. وأشارت منظمة العفو الدولية، إلى أن قوات الأمن الإيرانية أعدمت بسرعة العديد من المعتقلين العرب من دون محاكمتهم. وأنكرت طهران هذا التهمة.

وكان يمكن أن تغيب هذه القضية عن الاهتمام الأجنبي لولا تغطية قناة «الجزيرة» الفضائية الإخبارية من قطر، التي تمكنت من إرسال طاقم تصوير إلى الاحواز. ولكن تم بعد ذلك منع قناة «الجزيرة» من تغطية أخبار تلك المحافظة.

مثيرو الشغب ثاروا وغضبوا بعد تسرب رسالة منسوبة إلى نائب الرئيس الإيراني السابق محمد علي أبطحي، والذي استنكرها وزعم أنها مزورة، وكشفت تلك الرسالة عن خطط طهران السرية لطرد العرب الإيرانيين من الأحواز واستبدالهم بمواطنين فرس.

ولاحقاً اضطر الرئيس أحمدي نجاد، نفسه، لإلغاء ثلاث رحلات إلى الأحواز عاصمة الاقليم في آخر لحظة.

وكان التبرير الرسمي في كل مرة سوء الأحوال الجوية، ولكن السبب الحقيقي كان التهديدات الأمنية المحتملة. واحدة من أقوى التفجيرات، والتي قُتل فيها ثمانية، وقعت قبل ساعات من خطبة للرئيس أمام حشد جماهيري…(يتبع).

بقلم: جون آر برادلي

ترجمة وتقديم: د. حمد العيسى

نقلا عن: موقع “العصر”

تنويه: تم تصحيح التسمية المستخدمة من قبل الكاتب والمترجم وتغييرها من (خ و ز س ت ا ن) الى الأحواز بواسطة موقع بادماز.

كما وضعنا بعض التوضيح بين في الأدنى بين قوسين  نتيجة اغلاط ارتكبها الكاتب في كسب المعلومات ونقلها بشكل غير دقيق.

(الجزيرة لم ترسل طاقم لتغطية الاحداث في أبريل 2005 وانما قدمت بعض التقارير قبيل إنتفاضة 15 نيسان 2005، وكذلك نشرت الجزيرة بعض اخبار الانتفاضة نقلا عن مواقع احوازية ووكالات انباء أخرى منها عالمية كرويترز ووو).

(يصف الكاتب الجماهير الأحوازية التي حضرت المظاهرات ضد التطهير العرقي بـ “مثيرو الشغب” !).

( وکذلک یوصف “اللور” بـ الاکراد الفیلیه وهو وصف غلط حیث نری الیوم اللور لديهم هوية وزي ولهجة واسلوب حياة تختلف عن الاكراد الفيلية).

(كما ان تغيير اسم الاقليم من عربستان الى “خ و ز س ت ا ن” حدث في سنة 1936 وليست في 1925).

كما تم تغيير عنوان التقرير من “تقرير نادر عن توترات الشعوب والأعراق الإيرانية  1-2 ” الى : التوترات العرقية في ايران

كافة حقوق النشر محفوظة لموقع بادماز. ما ينشر في هذا الموقع لايعبر بالضرورة عن موقف التيار الوطني العربي الديمقراطي في الاحواز.

الصعود لأعلى