انت هنا : الرئيسية » سياسة » حديث وبراهين عن الإنتصار الحتمي للقضية العربية الأحوازية

حديث وبراهين عن الإنتصار الحتمي للقضية العربية الأحوازية

حديث وبراهين “تاريخية وراهنة”

عن الإنتصار الحتمي للقضية العربية الأحوازية …

القسم الأول


مقدمة :

المراحل التاريخية الثلاث . . .adel

إن إنتصار وطننا وتحقيق آمال شعبنا في تقرير المصير وإنتزاع الإستقلال الوطني إنتزاعاً وإنجاز السيادة السياسية، وهو ما يرنو إليه أبناء مجتمعنا الأحوازي العربي المناضل، هي النتيجة الطبيعية والموضوعية لأي حراك سليم وكلي وقضية عادلة وحقة تعتمد على ذاتها الوطنية الشعبية، أساساً، ومنها قضيتنا العربية الأحوازية، ولكي نصل إلى تصور صادق ومفعم بالأمل لابد من إمتلاك رؤية سياسية متكاملة، لذا كان من الواجب علينا الغوص في الوقائع التاريخية وتتبع مجراه الأساسي في نطاق الحضارة العربية الإسلامية، بعمق وتبصر وإدراك علمي، حول التفاصيل التاريخية والإجتماعية والسياسية .

   إن عوامل موضوعية كثيرة هي التي صاغت وكونت وعي الانسان العربي الأحوازي صياغة لم تجعله يصل حداً في التطرّف في الولاء الأيديولوجي المطلق، لأي مذهب ديني أو التعصب لأي فكرة سياسية أو الهيام في أية فكرة مطلقة، بقدر ما هو ملتزم بقضيته الوطنية الأحوازية ورؤيته القومية العروبية، وهذا كان ناتجاً موضوعياً بفعل الصراع التاريخي الأساسي الذي كان ناشباً على الدوام بين التكوين (العربي) الأحوازي، من جهة، وبين الأطماع (الفارسية) العنصرية الهادفة الى استعباد البشر واستنزاف طاقاتهم الانتاجية والفكرية، من جهة أخرى .

    فالتاريخ الاٍجتماعي للسكان العرب وتقاليدهم في الحياة اليومية المعاشية وحتى ملابسهم التقليدية، وعوامل الجغرافية الطبيعية المتمايزة عن الجغرافية الفارسية، وطبيعة المجتمع التكوينية، كانت لهم التأثيرات الكبيرة في صياغة وعي الانسان الأحوازي وتفكيره، وللعوامل الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والارث الحضاري العربي ما قبل الاسلام، والارث الفكري العربي الاسلامي لما بعد الاسلام … كل تلك العوامل الموضوعية لعبت الادوار الكبيرة في صياغته، وتأطير مفاهيم الصراع وإختزاله فكرياً وسياسياً في العامل ((القومي)) في هذه الجغرافية بشكل أخص، مثلما تكمن في ثنايا التكوين المعرفي لكلى التكوينين الإجتماعيين بحكم الملامح والتفكير الديني: المسيحي والمغاير لمفاهيم الدين الزردشتي وعبادة النار، أبعاد الصراع كذلك في الثقافة العنصرية الفارسية تجاه أمتنا العربية، بشكل أعم، لذلك لن تجد، في أي لحظة تاريخية معينة، أن تطرّف أبناء هذا الشعب داخلياً لدين أو لأيديولوجية، وإنما كان حد الإلتزام العفوي أو المخطط له يصل فقط بمقاييسه القومية العروبية والوطنية الأحوازية في تماهٍ كلي وتاريخي حتى اللحظة الراهنة …

وعليه فإني سأتطرق إلى ثلاثة نماذج مستمدة من التاريخ الفعلي لشعبنا، وعمقه القومي العربي، والحضاري العروبي الاسلامي بغية دعم موقفي وحديثي …

النموذج الأول (معركة ذي قار 609م):

    كانت مفاعيله الإجتماعية في الماضي السحيق، أي قبيل معركة “ذي قار” التاريخية، فإنه من طبيعة الفرس الذين إستجلبوا كدخلاء جدد بغية توظيفهم في العمل العسكري في الدفاع عن المنطقة مع اليهود منذ زمن بعيد، كما تذكر ذلك الأبحاث التاريخية الجادة والرصينة ومنهم الدكتور الايراني ناصر بور بيرار، وكما هو معروف أيضا بأن للفرس أخلاقياتهم في أي عمل إحتلالي إستيطاني عندما يمتلكون القوة، وبالتالي يتمكنون من النجاح السياسي والعسكري، حينما يحتلون منطقة معينة، فإنهم كانوا يعملون على تغيير أسماء مدنها والتشويش على معالمها وبالتالي يستهدفون تغيير المفاهيم التاريخية والثقافية للمنطقة المحتلة بواسطتهم(1)، وهذا كان بالضبط ما حصل في أواخر مرحلة غياب تأثيرهم الاجتماعي والأخلاقي على تطورات الأحداث في المرحلة الاولى من معركة (ذي قار) .

وحسب الدكتور الباحث صالح أحمد العلي في كتابه المعنون (الأحواز) يؤكد “أن الفرس كانوا قد بدأوا بتغيير اسامي المناطق والسهول والانهار، إنطلاقاً من رؤيتهم العنصرية الإستراتيجية ضد الآخر: العربي، الأفغاني، البلوشي، الكردي”، إذ أن من عادة الفرس دائما هو هذا النهج، ثم بدأوا بتكريس معابدهم المجوسية بشكل واسع وغريب وبالقوة في الأحواز والمنطقة العربية المجاورة لها، ثم أرغموا الناس على اِعتناق دينهم المجوسي، ولكن في المقابل بدأ العرب الأحوازيون بمواجهة ذلك التعسف والانحطاط الاخلاقي والسياسي والاجتماعي وتنامي أزمتهم المعتقدية والروحية بمواجهتهم من قبل العرب الأحوازيين عبر ترسُّخ مفاهيم التعاضدية القائمة على أساس الدم والعرق والعشيرة والقبيلة والتمسك بديانتهم المسيحية وبعض المنظومات الدينية المتوارثة في أرض العرب .

   لقد تبينت إرهاصاته الأولى على مستوى الرؤية الدينية، إذ أنَّ دين أبناء الأحواز كان في تلك الآونة هي الرؤية الدينية السماوية: “المسيحية”، وكان الفرس يتدينون بالدين “الزرادشتي المجوسي”: أي عبادة النار والطاعة المطلقة للملك الفارسي الذي يستطيع يقتل أو يتمكن من أنْ “يمنح” الحياة او يحجبها، وكانت من عاداتهم إنهم غيروا معالم الأحواز ـ اي الفرس ـ بالقدر المستطاع عبر إستخدام القوة الغاشمة في تلك الآونة، ثم زادوا وبتطرف ـ [كما هو الحال في المرحلة الصفوية وكما هو يحصل في الأحواز منذ أكثر من ثلاثين عاماً ونيف أي منذ مجيء الخميني] ببناء المعابد المجوسية وأرغموا بالقوة أبناء هذا القطر العربي على التدين بالمجوسية (2)، عبر الغزو المفاهيم الدينية والعنصرية، وكان في المقـابل قد أدى ذلك الصراع القومي، الفارسي العربي، وليس الديني، الزرادشتي ـ المسيحي، في الأحواز أن يتمسك بشدة بالمقابل ابناء الأحواز بكل ما يتعلق بهويتهم العربية الدينية، كون المسيحية هي بالأساس ناتج فكري ومعتقدي للوطن العربي وللجغرافية الفلسطينية، على وجه التحديد، كما أخذوا يتمسكون بكل قوة في التقاليد الفكرية والقيم الروحية الذي يتشكل منها بنيانهم المعرفي الذي أفرزه تراثهم.

ثم أن الأحوازيين بدأوا بحرق تلك المعابد المجوسية ردا على فرض تلك الديانة الغريبة على ثقافة الأحوازيين ومعتقداتهم الدينية، والأمر كان يدل بما لا يدع مجالا للشك تصاعد الأفق الكفاحي في مواجهة الاحتلال الفارسي الاجنبي عليهم، ثم اتسعت المواجهات والمقاومة للفرس في الأحواز عبر قيادة عشيرة (شيبان) العربية في الأحواز لتتسع الى بنو عمومتهم في العراق ودعوة أبناء عمومتهم ايضا (شيبان) من كبار العشائر العربية وفي شبه الجزيرة العربية للمشاركة في مواجهة العدوان الفارسي، سواء كان ذلك بغطاءات فكرية مذهبية عن طريق الإرثِ القبلي، وكان النصر حليفهم في معركة (ذي قار) الحاسمة.

لقد أصبحت هنالك قناعات متشددة بلغت حد التمسك الشديد الملفت للنظر عبر تمسكهم بالرؤية الدينية “المسيحية” لدى أبناء الأحواز في تلك الحقبة الزمنية (3)، إذ بدأوا يحرقون المعابد المجوسية، ويواجهون فلول الفرس عبر الخطف والقتل وحرق مراكز تواجدهم، الى أن نضجت الظروف الموضوعية لمواجهة الحضور الفارسي ومجابهة غزواتهم الحقيرة، وكانت بدايات المعركة، قد تجلّت عبر (معركة ذي قار) التي كانت قد نشبت بداياتها في الأحواز التي شكلت المظهر الرئيسي للتصادم بين القوميتين، العربية والفارسية، من خلال القيادة العربية الأحوازية المقاتلة للفرس والتي قادتها قبيلة بني شيبان، فأشعلت المنطقة وتآخى معنا العراقيون أبناء العمومة في هذه المعركة القومية، وسرعان ما وصلت الامدادات من أبناء العمومة العروبيين في شبه الجزيرة العربية وساندتها كل العشائر العربية التي كانت تعتز بذاتها العربية، فإنتصر التوحد العربي المستهدف على التكتل الفارسي المعتدي، وكانت مقولة الرسول العربي محمد بن عبدالله (صلى الله عليه وسلم) بمثابة ما يمكن تسميته بالتنظير للإرهاصات التاريخية للتوجهات الوحدوية العربية حينما أكد من خلال مقولته ((العروبية)) والتي إعتبرت خطاباً قومياً دعم من خلالها الروح العربية المقاتلة والمناهضة ضد الأجانب الفرس، فقال: ((اليوم إنتصفت العرب من العجم)) علماً بأن تلك المرحلة كانت مرحلة تاريخية شهدت بدايات نشوء الدعوة العربية الاسلامية وشكـّل العرب مادتها الدعوية، وكانت معجزتها الأساس المنجز اللغوي المعجزة (القرآن)، وتم تدشين عملها في نطاق عصرها التبشيري السري . . .

وقد رفع المعسكر العربي في معركة ذي قار شعاره ((إنا لمنصورون))، وبشّروا بظهور الرسول العربي محمد بن عبدالله (ص) في مكة، فمعركة ذي قار كانت عبارة عن الارهاصات الاولى لتكون العرب القومي، وبدايات اِنبلاج الرسالة العربية الاسلامية التي أدّت بها التطورات الموضوعية الى تحرر كامل للأرض العربية، من جهة، ثم التوسع في نطاق الأراضي غير العربية لتعم فيها معالم ومفاهيم وسلوكيات الدين الاسلامي الجديد، من جهة ثانية . هذا هو النموذج الاول .

 

حديث وبراهين “تاريخية وراهنة”

عن الإنتصار الحتمي للقضية العربية الأحوازية …

القسم الثاني

اما النموذج الثاني :

(منذ معركة القادسية 635م ـ ولغاية مرحلة محمد بن فلاح المشعشعي 1436م) . . .

فقد كانت مع بداية سقوط رؤية الفرس وحضورها العنصري ودحر قيمها التسلطية العسكرية الذي كانت تروّج له القوة العدوانية الفارسية عبر المعركة التاريخية الحاسمة:”معركة القادسية ـ 635م”. لما يمكن تسميته بالمرحلة الثانية إمتداداً المعركة العربية المسمّاة بذي قار(609م)، وتلاها سقوط الرؤية الدينية الفارسية وسلوكياتهم عبر الانحطاط الاخلاقي والتفسخ الاجتماعي وتبعثر فلسفة عبادة النار، والإنتقال بهم من عبادة البشر إلى عبادة رب البشر على كل المستويات في زمن الصعود الاسلامي الذي اِرتبط بالعرب المسلمين، فجاءت دعوة الرسول العربي الكريم محمد بن عبدالله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من شبه الجزيرة العربية، فوجد أبناء الأحواز في قيادته المحنكة (ص) بأن الفرصة قد حانت ويجب الإنخراط في وثبة الصعود المروع العربي الاسلامي، وبزوغ رؤية رسولهم الأمين والتمسك بمفاهيم الدين الاسلامي الحنيف للخلاص من الغزو الاجنبي الفارسي، فكانت معركة القادسية النوعية التي كان المقاتلون العرب مادتها القتالية والقيادية حصراً، فانتصرت جيوش العرب وانتصر الأحوازيون مع العرب وحررّوا الأحواز (635م)، ودامت فترة عودة الاحوازيين الى بيئتهم العربية الاسلامية قرابة ستة قرون، وبدأت أثناء تلك القرون تتصاعد الأساليب الفارسية الخبيثة عبر تغذية مشروعهم العنصري الشعوبي لإستهداف (العرب) ودينهم (الإسلامي) .

أي أن مرحلة الكفاح العربي ضد الطغمة الفارسية ومعسكرهم وبداياته كانت قد اتضحت معالمها الصدامية والتحررية بشكل أوضح في معركة “ذي قار” التي اندلعت آوارها في الأحواز في العام (609م) ثم تواصلت الى أن حقق العرب المسلمون كامل تحريرهم للأراضي التي كانت تقع تحت سطوة والاحتلالات الاجنبية، الفرس والروم، وكان النصر الشامل قد اكتمل في معركة القادسية وتحررت كل الأرض العربية بما فيها الأحواز في العام (635م) أي أن الكفاح والمقاومة العربية الأحوازية قد دامت لمدة (25) عاماً متواصلة، من ذي قار الى القادسية.

إن المعرفة تراكمية بطبيعتها التكوينية، والمعلومات اللاحقة توطد الأولى التي قبلها، أو تحذف الإستنتاجات غير العلمية التي شابتها، وما شهده تاريخنا القديم والحديث على هذا المستوى يشكل برهاناً صادقاً عما نقول، والكاتب السيد الدكتور عبد الرحمن كريم اللامي: الدارس الحصيف والمجتهد قد تمكن من الغوص بتاريخ المنطقة وتتبع الظواهر التاريخية الأصيلة بفصلها عن درن التفاصيل التي كتبها الأجانب، أو بعض المستعربين من دون أنْ تنتظم الذاكرة التاريخية العروبية نمط تفكيرهم الأمر الذي جعلهم يمرون بمرحلة الإجترار من دون التوقف والصبر للوصول إلى مرحلة الإختمار، الذين ينظرون إلى تاريخ المنطقة على أنها مجرد عشائر أو مذاهب، لقد إستطاع هذا الباحث إلتقاط المفاصل الجوهرية من عمليات التطور المستقلة والمستمرة وسط تراكم الزوان الكثيرة التي تختلط مع بذور القمح المفيدة والمغذية.

لذلك نراه يجزم القول بالتالي، رغم إستخدامه بعض المفاهيم المجانبة للصواب بحكم المراحل الزمنية للعصر الحديث المتأخر، الذي ضمته سنوات ما بين الحربين العالميتين الأولى والثانية في القرن العشرين والذي تبلور معه مفهوم ((الدولة)) الحديثة، وكان ينبغي له إستخدام مفهوم ((الإمارة))، فيقول الدكتور عبد الرحمن كريم اللامي في كتابه المعنون “شاعر الأحواز القومي الأمير علي بن خلف الحويزي المشعشعي”: “تعدّ دولة الأحواز العربية التي تأسست في منتصف القرن التاسع الهجري منتصف القرن الخامس عشر الميلادي (1436م) أول صحوة عربية عارمة ومنظمة تنتفض على الإستعمار الأجنبي لتحرير أجزاء تتمتع بمواقع مهمة من الأرض العربية في شمال الخليج العربي وجنوب شرق بلاد الرافدين بعد عهد طويل من الرقود في المشرق العربي إبتداءً بدخول التتار الغزاة عام 656 هجرية ـ 1258 ميلادية (4).

فقد تبلور أول مشروع سياسي لتوحيد قوى القبائل العربية الكثيرة في الأحواز في دولة عربية موحدة، وتولى تنفيذ هذا المشروع رجل عربي عراقي من أهل واسط كان له من الإطلاع على علوم عصره ما أهله لنيل شهرة عريضة ذلك هو محمد بن فلاح المشعشعي (804 ـ 870هـ) (1401 ـ 1465م) (5)، وبعد أنْ تمكن من توحيد القبائل العربية وإعدادها للقتال قاد حملات هزم بها والي شيراز التيموري، وحملات أخرى ألحقت الهزائم بجيش دولة (القرة قوينلو)(6) التركماني، وعند ذاك إنضوى إقليم الأحواز وأجزاء من جنوب العراق وشمال الخليج العربي تحت نفوذه وقد إتخذ من مدينة الحويزة عاصمة لدولته، وبعد وفاته تسلـّم حكم الدولة أولاده وأحفاده، وإتسع سلطانهم ليشمل جنوب ووسط العراق وعرب الخليج العربي وغرب إيران، وتوثقت علاقاتهم مع دولة (الآق قوينلو)(7) التي كانت تحكم العراق وترسخت في دولتهم سمات الحكومة القوية المستقلة وأبهة السلطان وهيبة النفوذ، فسكـّت النقود بإسمها وبنيت المدن الحديثة وشيـِّدت المدراس والمعسكرات وجبيت الضرائب وأعد الجيش الضخم (8) .

إنّ حال الإستقرار النسبي التي شهدتها الدولة المشعشعية لم تستمر أكثر من نصف قرن إذ سرعان ما بدأت تهب عليها عواصف الحروب، فقد إقترن ظهور هذه الدولة الأحوازية الفتية بظهور قوتين سياسيتين هائلتين متناحرتين تمتلكان من العدة والعتاد ما لا يمكن التصدي له إلا بالحكمة والمناورة السياسية وبالشجاعة والخديعة الحربية، وهما الدولة الصفوية في إيران، والدولة العثمانية في الأناضول، ظهرت الدولة الصفوية في مطلع القرن العاشر الهجري في شمال إيران وبدافع من نزعتها التوسعية أخذت تتسع شرقا وغربا وفي عام 914هـ ـ 1508م إحتل مؤسس هذه الدولة الشاه إسماعيل الصفوي بغداد، ثم عرج على الأحواز فإحتلها ودمـّر عاصمتها الحويزة وقتل عدداً من أمرائها وسكانها، فكان هذا فاتحة عهد جديد للعلاقات الأحوازية الصـفوية التي أقل ما يقال فيها إنها علاقـات غير متكافئة مبنية على الغلبة والإسـتحواذ (9) .

كان هدف الصفويين أنْ يجعلوا إقليم الأحواز أحد ممتلكاتهم وأمراءه أذناباً لهم، لكنهم فوجئوا بالإرادة العربية الصلبة التي لا تقبل بغير الحرية بديلاً، والأرض العربية وطناً .

أما تدخل الدولة العثمانية في شؤون الأحواز فإنه بدأ مع بداية إحتلالهم للبصرة وجنوب العراق عام 953 هـ (10)، وكانت أول حملة عسكرية عثمانية منظمة قاموا بها لإحتلال الأحواز هي في عام 961 هـ (11) إذ عزم والي البصرة مصطفى باشا أن يغزو الحويزة وينتزعها من حاكمها العربي، فلما أطل عليها فوجدها حصينة في أهلها وموقعها فباءت حملته بالفشل وعاد بعشرات القتلى من جيشه ولكنها كانت فاتحة لغزوات وحملات على أرض الإقليم وأهله إستمرت مادام الحكم العربي فيه  (12).

وصف (لونكريك) طبيعة العلاقة بين أمير الأحواز والشاه الصفوي والسلطان العثماني فقال: (وكان الجار العربي الآخر للعراق حاكم الحويزة، ولم تكن سفارته التي بعثها للسلطان سليمان القانوني 941هـ بالخضوع إلا مجاملات إحتياطية في تلك الأيام، وقد ظلت علاقاته بالشاه الإيراني مدة قرن تتذبذب بين التفاهم والإستخفاف، ولبن دفعه الأتاوات إبتزاز الأموال . . .) (13).

وقد عللت المنافسة بين الفرس والعثمانيين في السيطرة على الأحواز: (كونها من مناطق الحدود بين الإمبراطوريتين الفارسية والعثمانية التي تحتل أهمية عسكرية بالنسبة لإستراتيجية الخليج العربي فهي تشرف على الطق المؤدية إلى العراق من إيران ولذلك أدركتها كل قوة راغبة في التوسع الإقليمي فإن من يسيطر على منافذها البرية والبحرية يتفوق على غيره . . .). (14)

وحينما تآمر الفرس وغير الفرس مع العدوان الهمجي التتاري الذي اباد الحرث والنسل في هذه المنطقة الاستراتيجية عبر الغزو المغولي في العام 1258م، التي طالت لأكثر من 150 عاماً إذ أحدث هذا الفراغ غضبا وثورات عند العرب لاستعادة مجدهم التليد، فكانت التفاعلات والتطورات الموضوعية لاعادة ذلك النهج الحضاري العربي الاسلامي القريب الذي كان يتلمس تراجعه والحنين اليه ابناء هذه المنطقة على وجه الخصوص، فكانت الشعوبية الفارسية قد استهدفت ايضا العرب في هذه المنطقة الأحوازية والعراقية وضاقت مضاجعهم، فبدأ التغيير تبان ملامحه وتلوح في الافق مؤشرات تقدمه، وكانت تلك المعطيات التاريخية تعيد فعلها ثانية في هذه الارض وعلى الانسان الأحوازي، فبعد ان كانت المنطقة العربية والفارسية تدين بالدين الاسلامي والاغلبية (السنية)، بدأ الأحوازيون يواجهون الفرس ويحرقون المعابد الفارسية، المجوسية التي كانت تتغطى بالسنية، وبدأت الشعوبية تلف المذهب السني في هذه البقعة وفي حديث واخلاق وسياسة الفرس، ما أدى إلى أن يعيد العربي الأحوازي والعراقي النظر موضوعيا بكل ما كان يقرّبه بالفرس من دين ومعتقد ومشتركات، الأمر الذي جعلهم يلتفون حول العربي محمد بن فلاح المشعشعي، الذي توسع في مواجهة الفرس العنصريين على أساس تغذية الصراع العربي ـ الفارسي، وغيـّرَ معتقده ومعتقد أبطال الارض الأحوازية الى التشيّع الذي كان في تلك الآونة يعني : الثورة والمقاومة ونصرة الحق والمظلوم في مواجهة الاحتلال والعدوان الفارسي، ففي العام 1436م بدأ نجم محمد بن فلاح يعلو بوضوح، بعد أن أحس أن المنطقة العربية: الأحوازية والعراقية وبلاد الشام، (الهلال الخصيب) ـ وهي المنطقة الاستراتيجية ـ قد ملأها الاجانب الحاقدين على العرب ودينهم وتراثهم ومجدهم، فقد علا نجمه وبرز فعله في المقاومة فكانت العرب في الأحواز وما بعدها، إذ أسس الدولة المشعشعية بثوابت ومرتكزات قوية في وقتها، وقد شهدت هذه الدولة ذروة اتساعها وعظمتها في عهد نجله الامير محسن بن محمد حيث ضمت شرق العراق، من البصرة الى ضاحية بغداد، غربا، ومنطقة كوهكيلوية وموانئ الخليج العربي شرقا، ومناطق البختياري ولورستان وبشتكوه وحتى كرمنشاه ــ في ايران الحالية ــ شمالا، والقطيف والاحساء في شبه الجزيرة العربية، جنوبا… هذه الدولة التي صالت وجالت برجالها ضد الإحتلال الفارسي وإعترفت بها، بلاد فارس والعثمانيين والبريطانيين والروس وباستقلالها السياسي عن كل تلك البلاد، وسارت لمدة زادت على 3 قرون كدولة قوية واستلم بنو كعب ادارة تلك الدولة وكيانها الذي بني على اساس قويم من المشعشعين لغاية سقوطها تحت الاحتلال الفارسي ـ البريطاني في العام 1925م .

والخلاصة التي كانت تسير عمليات التحولات الموضوعية على المستوى الإحوازي يمكن تكثيفها وفق الأشكال والتسلسلات التالية : لقد كان الدين الذي يجمع الفرس بالعرب هو الدين الإسلامي فيما يعد المذهب السني الرائج في المنطقة، وفي بلاد فارس، هو الذي يطبع رؤيتهم الفكرية المذهبية، ولكننا وبفعل الجغرافية، كانت التفاصيل اليومية التي تجمع بيننا كأحوازيين عرب وبين الفرس بحكم التجاور الجغرافي والمعيشي، والخضوع للسيادة العربية، والتي تلمسنا صعود نجمهم مرة ثانية، لقد كان المذهب (السني) هو العامل الفكري والمذهبي المشترك الذي يربط بيننا، كأحوازيين، وبينهم الفرس . . . نقول : لقد شكلت الرؤية الدينية الإسلامية المشتركة الأساس للتعامل مع الرؤية الفارسية، ولكن التباين الإجتماعي القومي كونت البيئة الإختلافية لذلك التكوينين، لذلك كان العامل القومي هو العامل الموضوعي الذي يتبدى فيه الصراع القومي بين الطرفين المتجاورين.

   الأمر الذي دفع ـ وبالضرورة ـ الأحوازيين الى القناعة الفكرية والإجتماعية في لزوم ايجاد الشرخ الواسع بيننا كعرب أصحاب الأرض ومادة المجتمع، من ناحية، وبينهم وهم الفرس الغزاة، لذلك بدأ (المذهب السني) يخفت منه عامل العروبة، وبتعاقب الأعوام، بدأت تتراجع فيه الروح الثورية والكفاح ضد الظالمين، وأنا اقصد بهذا (المذهب)وفقدان مبادئه هنا في بلاد فارس وبعض المناطق الجغرافية المشرقية العربية فقط، وفي هذه الجغرافية تحديداً التي أساء لها هؤلاء الغزاة من خلال تقاليد وقيم المجتمع الفارسي بالتركيز على الأشخاص الفرس ونشر تعليمات مخالفة لروحية الدين العربي الإسلامي ومتناقضة لطبائع أبناء المنطقة، فما جرى في تلك القرون السالفة نستطيع وصفه او التقرب من حدوثه كما يجري منذ وصول الصفويين الفرس لسدة الحكم في ايران إذ أساء الفرس لاحقاً للمذهب الإثني عشري “الشيعي” منذ عقود في القرن العشرين عندما قدسوا بعض رموزه على حساب الرؤية الإلهية المطلقة، وما يزال غالبية مجتهدي تلك الطائفة يمعنون التنظير لتلك الرؤية البائسة، جراء أسباب عديدة، كما يواصلون نهجهم المضاد للدين الإسلامي واستهدافه.

     لذلك وجد بعض القيادات الأحوازية في تبديل إلتزامهم بمفاهيم المذهب (السني) الى الإلتزام بمفاهيم المذهب (الشيعي). في محاولة ناجحة لما يمكن أنْ يسهم في فك عرى العلاقات الفكرية التي تقربنا للفرس بإعتبار أنّ ذلك التحول هو العامل الهام في ادارة الصراع معهم والانفصال التام عنهم وعن تأثيرات الفرس والتحرير عنهم في آنْ واحد .

   إذ تذكر بعض كتب التاريخ بأن ابناء وبنات الأحواز أخذوا يغيّرون مذهبهم باتجاه المذهب (الشيعي الاثنى عشري) الذي كانت فيه تكثر مفاهيم العزة والصراع وقتال الظالمين الاجنبي الذي يستهدف العرب والعروبة وبالتالي تغذية الروح القتالية ضد الفرس الظالمين، فوجدت تلك الدعوة صدىً كبيراً بين أبناء الأحواز وبناته، فقاد تلك المعركة القيادي العروبي الأحوازي السيد محمد بن فلاح المشعشعي (1436م) .

 وكان المشعشعي محمد بن فلاح يعد اول عروبي كرّس مفاهيم العروبة في تلك الآونة للخلاص من الغزو الفارسي وكل ما يرتبط بهم من مذهب ديني ومعتقدات وأفكار وتقاليد، فكان التشيّع “العروبي” هو الصورة الناصعة والمطلوبة للقتال ضد الزندقة والدجل والكذب الفارسي الذين دجنوا المذهب (السني) في تلك الآونة، وأساؤوا الى معتقدات العرب المسـلمين الأوائل وحرّفوا فيه وزوّر الفرس معانيه عبر تقمّصهم الطرق الصوفية فشوّهوا فلسفته، فإنتصر الأحوازيون لعروبتهم ولدينهم ولتراثهم الحضاري العربي الإسلامي .

     وكانت عاصمتهم (الحويزة) هي المنارة العلمية الذائعة الصيت في الأمة العربية، ولم تتوقف بطولات ونشاطات العروبيين الاحوازيين فقط في إمارتهم، بل أنها تعدت حدودها وحكمت أرض العرب من ميناء جمبرون (بمضيق باب السلام: المسمى بهرمز) ومروراً بمدينة واسط في العراق ووصولاً الى المنطقة الشرقية في شبه الجزيرة العربية وتحديداً في المنطقة الشرقية والاحساء والقطيف .

    وصك المشعشيون نقودهم العربية بأسماء أمرائهم في مكة وتآخووا مع أبناء عمومتهم العرب في شبه الجزيرة العربية، وما يزال أبناء (مملكة عربستان) من المشعشعيين والاحوازيين عموما . . . ما يزال أبناؤهم متواجدون في هذه المناطق العربية في المملكة العربية السعودية

حديث وبراهين “تاريخية وراهنة”

عن الإنتصار الحتمي للقضية العربية الأحوازية …

القسم الثالث والأخير

أما النموذج الثالث/ فهو مرتبط بالوضع الراهن …

نتسائل: كيف ينبغي فهم التغييرات المذهبية الحاصلة وتصاعدها منذ عقدين ـ تقريبا ـ عند الأحوازيين في اِطار الرؤية العربية الإسلامية ؟

إن هذا النموذج هو الذي يتعلق بالمرحلة التاريخية الراهنة . . . إذ أننا نلحظ عواملها الموضوعية تتراكم وتنضج وتتعمق منذ مجيء المجرم (خ م ي ن ي) وصعود نجم نهجه الفارسي العنصري والصفوي الطائفي في السياسة الإيرانية: خامنئي، لاسيما ضد شعبنا العربي الأحوازي التي كانت أبرز وجوه ممارساته الطغيانية إرتكاب زمرته العسكرية بقيادة وزير دفاعه المجرم الجنرال أحمد مدني تلك المجزرة البشرية البشعة التي راح ضحيتها حوالي الخمسمائة شهيد وآلاف الجرحي والمعتقلين، ولو أمعنا النظر في الواقع الأحوازي القائم والراهن اليوم، سنجد على الصعيد الفكري الأيديولوجي بأن المذهب الشيعي الاثنى عشري ـ الواسع الانتشار قبيل مجيء خ م ي ن ي ـ بدأ يخفت صداه وأفعاله ومفاهيمه، ويتراجع على كل المستويات في الأحواز، خاصة، وفي بلاد فارس، بشكل عام، وذلك لأسباب كثيرة وطويلة، سأذكر البعض المهم منها هنا والتي تخصنا كأحوازيين في صراعنا القومي مع الفرس المحتلين.

    إن العنصريين الفرس لم يكن لهم أي دور ثقافي أو حضاري مساهم في الحضارات البشرية بشكلٍ عام والتأثير الحاسم على تفكير شعبنا العربي الأحوازي، لقد كانت أدوارهم تبنى دائما على أساس الحقد والكراهية وسرقة جهود الآخرين ودياناتهم وثقافاتهم، لذا كان اليهود ـ الذين جلبوا الفرس من مناطق بعيدة في القفقاز .. جلبوهم كمرتزقة في حروبهم ضد العرب وأبناء المنطقة المشرقية وضد الحضارات الدينية والثقافية التي أقيمت في أرض العرب ـ لقد أقدم هؤلاء الفرس في أعقاب إستيطانهم وتوضعهم في المنطقة على وضع أساس كاذب من أسس الثقافة المسروقة من العرب والاخرين، وإدعوا بأنها تعود للرؤية والتكوين الفارسي، وهم الذين لم تتوطد جذورهم في المنطقة بعد كي يفرزوا حضارتهم الفكرية .

     وكوّنوا لهم شخصية وهوية مزورة ليست للفرس لها أي صلة، إذ أن الرؤية الدينية المجوسية نقلوها من الهند، وسرعان ما بدأ هذا التناقض بين المضمون الفارغ، والشكل المصطنع، تتفاعل تناقضاته الموضوعية وتبان عوراته، وكانت عقدة النقص الفارسية ترى نواقصها بالعداء للعرب خصوصاً، والحقد عليهم، لأنهم هم أصحاب تلك الثقافة الحضارية المشعة، ولأن الفرس متخلفون حضارياً وثقافياً عن العرب، وأن كل ما تمَّتْ سرقته كان من إنتاج شخصيات علمية وأدبية وثقافية، كانت أصولها عربية الأرومة والثقافة أو إحداها وتم تزييفها يهودياً على أنهم من (عباقرة الفرس) . . .

    كل ذلك المزيج من التناقضات التي بدأت تبان حقيقتها بالبحث والنهوض العربي هنا وهناك، الأمر الذي بات يفقدهم صوابهم ومصداقيتهم على صعيد البحث العلمي الرصين، وكان هذا وغيره ايضا الكثير، هي البيئة الحاضنة للتطور الفكري، إذ بدأت كلها تتفاعل بالاتجاهات السلبية والتراجعية، وبدأ بوادر التفسخ الاجتماعي والاخلاقي والديني والثقافي والأصعدة الاخرى عندهم تتراجع، ومن ضمن الذين تأثروا وأثروا في هذا الامر هم الأحوازيون العرب الذين كانت تلك العوامل الفضائحية للفرس العنصريين والصفويين الطائفيين، قد كشفت توجهاتهم العنصرية، وبدأت تغذي صراعهم المرير الذي كانوا على الدوام يستثمروه من أجل حصولهم على إنضاج عوامل تحررهم والخلاص من ربقة الاحتلال الاستيطاني الفارسي .

    لذلك فإننا بدأنا نشهد عوامل بروز التقدم العروبي الأحوازي كمجتمع، وتلمسنا عوامل التراجع والوحشية الفارسية الصفوية منذ بروز رمزهم الحديث أي منذ صعود “الههم الجديد الكسروي : خ م ي ن ي” في السياسة الإيرانية الحديثة والمعاصرة، ولحظنا ايضا اِستهداف ورفض أحوازي واسع لكل ما يمت للفرس من عقيدة وثقافة وتراث ومأكل ومشرب وغيرها، وبدأت طلائع أبناء الأحواز الواعين فكرياً وسياسياً (يطلـّقون) و(يعمّقون) الشروخات بينهم كـ(عرب) وبين عدوهم (الفارسي الغازي المحتل)، فتم أولا تغيير ولاءهم الفكري للمذهب (الاثنى عشري) والإلتزام بمفاهيم المذهب (السني) ـ كمرحلة اولى باتجاه التحرر السياسي والفكري الناجز ـ الذي بدا ايضا موضوعيا على أنه ـ أي المذهب السني ـ فيه رائحة الكفاح والمقاومة والعروبة، بالخصوص ما بدا من أبنائه وبشكل جلي وبشكلٍ واضح للأحوازيين جرّاء الغزو الامريكي ـ الايراني للعراق، والمقاومة الوطنية الشرسة والمضيئة التي أبداها أبناء مدن وعشائر الفلوجة والرمادي وعموم قصبات الأنبار (السنة) ضد الأعداء الأجانب، والسكوت المخزي بل المتعاون مع الغزاة التي ابداه ما يسمى بـ(الشيعة) وعلمائهم في ايران والعراق .

    في حين أن الصفوية وقيادتها للمذهب الاثنى عشري قد عمدوا على تخديره ومهادنته، بل حتى تواطؤه مع الغزاة الصليبيين المتصهينين، لقد قذف فيه هؤلاء الفرس كل قاذوراتهم واقدموا على خطفه ـ أي التشيع ـ وتخريب سمعة المنتسبين اليه.

 ثم بدأ ابناء الأحواز يحرقون المعباد الصفوية (المقامات) في ثمانيات وتسعينيات القرن العشرين، وأخذ هؤلاء الثوار (العروبيون) يستهزؤون بالعقائد الفارسية المدجّنة وزندقتهم ودجلهم وأفكارهم الخاوية، وبدأت الروح العروبية القتالية تنتشر وتتصاعد على نطاق واسع بين الأحوازيين، بفعل العامل الموضوعي الذي أشرنا اليه ضمن المحطات التاريخية النوعية الثلاث آنفة الذكر . . .

 وعليه فإن الظروف التي نعيشها في هذه المرحلة من التاريخ الذي تزداد فيه الهمجية العنصرية الفارسية تؤكد بما لا يدع مجالا للشك لكل متابع حصيف بأننا على موعد مع التاريخ، وأن هذه المعطيات والبراهين الساطعة والملموسة التي يتلمسها عدونا قبل صديقنا، تبرهن بشكل قاطع ولا مجال لتغييبها، بأننا كأبناء وبنات هذا القطر العربي على موعد مع تباشير مرحلة التحرير ومع تحقيق مكتسبات الحرية والكرامة التي دأبنا عبر التاريخ ندفع باتجاه تبنيها والحصول عليها، وبالتالي المساهمة الحقيقية في البناء الحضاري الحر، ودون التدخل أو سيطرة الأجنبي على أرضنا ومقدراتنا وتفكيرنا واِطار أفقنا الواسع الذي لا يقبل بالحصار والتقفيص الفارسي . . .

    وللتذكير فإن الغاية السياسية الأساسية في هذه المرحلة التاريخية الهامة ليست تغيير المذهب الديني، إنما تحقيق الَّذات المجتمعية المستقلة، هل قرأت النماذج الثلاثة التي اوضحتها اعلاه ؟ انني اذهب الى ان تغيير المذهب عند الاحوازيين لم يؤدِ في أي مرحلة تاريخة الى (التطرف) أو الى (الطائفية) بل ستستقر الامور ويرجع للدين العربي الإسلامي الحنيف بهاؤه وصفاؤه بعد نيل الحرية في الأحواز . . .

     والاساس الفكري والإيماني هو العروبة كهوية، وجوهره الحضاري هو: الاسلام .. لذلك لا خوف على ابناء وبنات الاحواز من التغيير المذهبي، فهذا حصل في المرحلة المشعشعية ايضا، وكانت العروبة والجوهر الاسلامي هما العاملان الحاسمان في الحرية الاحوازية . . . من هذا المنطلق فإن ما يجري منذ اكثر من 34 عاماً هو عامل وطني يغذي حريتنا ويقرب المسافات بين العروبة والاسلام، ويقلص الازدواجية بينهما … لذلك فان ما يحصل هو عامل وطني وقومي حضاري في الشأن الأحوازي …

ولكن المراقب لهذه الظاهرة المجتمعية يكتشف أن التغيير المذهبي عند الطبقة المثقفة في بدايتها، وهذه الطبقة كانت ومازالت مشبعة بالخطاب القومي العروبي، ولم تتخذ من التغيير المذهبي رافعة للقفز على الواقع الأحوازي التاريخي والمجتمعي.

ولبقايا العامل الموضوعي الذي شرحته في النماذج الثلاثة أعلاه .. فلكل نموذج بقايا سلبية تندثر مع الزمان، أو أنه سيباشر التأثير التراجع والإضمحلال في أذهان وعقول الأغلبية رويداً رويداً . . .

نقطة هامة كإستنتاج لما سبق لابد من الوقوف عندها، فنقول:

إن أية عملية وطنية وقومية تحررية لأي جزء من أجزاء الوطن العربي المبتلى بالإحتلال الأجنبي والنجاح في طرد الغزاة المحتلين، ينبغي أنْ تتوفر لها شروط عديدة من بينها ـ بل أساساً ـ الإرادة الوطنية الراسخة الحرة لطليعة الشعب والجماهير الواسعة التي تغذي وعيها السياسي التحرري من عمليات الإضطهاد العنصري الأجنبي، وهو ما أفضنا بالتطرق إليه في ما كتبنا أعلاه .

أما الإشتراط الثاني فهو العامل الجغرافي إنطلاقاً من الفهم الصحيح لعلاقة الكل بالجزء، وإحتمالية تبادلهما المخاطر الإحتلالية: المباشرة أو غير المباشرة، الأمر الذي يجعل من تعاضدهما في الموقف وتحمل الأثمان السياسية الباهضة ضرورة مفروضة وليست مطلوبة فقط، وهو ما يجعل العروبة مقاتلة مصارعة، والتكوين الإجتماعي الذي يعيش فوق هذه الجغرافية متواشج في التطلعات والأماني، وتحدد فعله السياسي واليومي عملية التضامن الكفاحي المستمر، وتعي قيادة الجوار القومي السياسي فداحة الثمن السياسي المطلوب والتضحيات التي قد يجري تقديمه .

وعلى هذا الصعيد نستحضر مثالين سياسيين على هذا الإتجاه التحرري،

الأول :

هو المثال الفيتنامي الشمالي عندما وضعت قيادتها: الحزب العمالي الفيتنامي وقيادة هوشي منة، جغرافيته الوطنية في سبيل تحقيق الهدف القومي بتحرير فيتنام الجنوبية المحتلة من قبل الفرنسيين أولاً، والأمريكيين تالياً، وتحملت كل نتائج الحملات العدوانية العسكرية لجيشيهما، وجرى تحرير الوطن الفيتنامي بعد تقديم الأرواح والعرق والدم وتحمل آثام الدمار الناتج عن القصف للمستعمرين الإمبرياليين الغربيين .

أما المثال الثاني

فنستمده من التجربة اليمنية عندما شكل الشمال: الجمهورية العربية اليمنية، والرؤية القومية العربية الحديثة بقيادة الرئيس جمال عبد الناصر، القاعدة التموينية والعسكرية لثوار الجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني المحتل التي إنتهت بطرد الغزاة البريطانيين المحتلين في الأعوام الأخيرة من عقد ستينات القرن الماضي، وفي كلتا التجربتين كان إرادة الثوار الصلبة عصية على المساومة والرشوة والإتجار بدماء الشعب.

وإنطلاقاً من كل ما تقدم، إننا نقول إنَّ العراق الوطني المتحرر من سطوة القوى الأجنبية هو الموقع الجغرافي المعول عليه في تسهل عوامل نجاحنا في تحرير وطننا الأحوازي من الإحتلال الفارسي العنصري البغيض، وهو القاعدة العسكرية التحررية التي تشكل الساتر الدفاعي لعمليات الإنسحاب والتواري والتقدم في الإشتباك اليومي، فالعراق الوطني المتحرر القابض على جمرة المباديء القومية والدفاع عن عروبة الأرض في إطار الحضارة العربية الإسلامية هو الذي سيشكل العمق الإستراتيجي لفعالية وفعل إرادة الصراع المستمر عند المعبرين عن القضية الوطنية الأحوازية الذين لا يعرفون منطق المساومة ولا يعترفون بأنصاف الحلول السياسية، إذ أن أي انتصار للقضية الوطنية الأحوازية يجب ان ترتكز على البعد الاستراتيجي للقضية الأحوازية، العمق الجغرافي والقومي والحضاري، اي أن يكون العراق وطني وتحكمه قوى عربية ووطنية بشكل أساسي، ثم أن أنظمة الخليج العربي ينبغي أنْ تحكمها قوى عربية مخلصة لعروبتها ولدينها، ومن ثم أن تكون الأمة العربية في وضعها السياسي المستقل والمستقر من أجل مواصلة الصراع مع الفرس المحتلين، ودون توفر تلك العوامل الوطنية والقومية ستتأخر عمليات الإنجاز التاريخي التحرري ولو لفترات قد يطول أجلها، ولكن الإتجاه العام للتطورات السياسية محكوم بقوانين تحرر الشعوب من ربقة إستبداد المحتلين وينبغي لنا حسن ودراية خوض معارك الصراع القومي من أجل الذات السياسية : الوطنية والقومية .

نعم اننا على موعد مع التاريخ، والصبح بقريــــــــــــب .

بقلم: عادل السويدي

نقلا عن: موقع عربستان.

المصادر :

(1)               : كتاب الأحواز : تاريخها ـ ولاتها ـ علماؤها ـ أدباؤها، لمؤلفه د. صالح أحمد العلي ص 97.

(2)               : المصدر نفسه .

(3)               : نفس المصدر .

(4)               : تاريخ المشعشعين/11، مؤسس الدولة المشعشعية/55، قضايا عربية معاصرة/249.

(5)               : تاريخ المشعشعين/15، مؤسس الدولة المشعشعية/56، إمارة المشعشين/120.

(6)               : مختصر تاريخ البصرة/124، العرب والعراق/159، قضايا عربية معاصرة/150.

(7)               : إمارة المشعشعين/74، قضايا عربية معاصرة/151.

(8)               : إمارة المشعشعين/197، 236.

(9)               : مجالس المؤمنين 2/401، تاريخ المشعشعين/87، إمارة المشعشعين/81.

(10)           : مختصر تاريخ البصرة/124.

(11)           : لغة العرب 6/199.

(12)           : التاريخ السياسي لإمارة عربستان/50.

(13)           : أربعة قرون من تاريخ العراق/41.

(14)           : [راجع كتاب شاعر الأحواز القومي الأمير علي بن خلف الحويزي، والمعنون دراسة في حياته السياسية وشعره وتحقيق ديوانه “خير أنيس لخير جليس”، تحقيق الدكتور عبد الرحمن كريم اللامي، إصدار الدار العربية للموسوعات، بيروت / لبنان، ص 17 ـ 20] .    

كافة حقوق النشر محفوظة لموقع بادماز. ما ينشر في هذا الموقع لايعبر بالضرورة عن موقف التيار الوطني العربي الديمقراطي في الاحواز.

الصعود لأعلى