انت هنا : الرئيسية » سياسة » الأزمة البنوية والمنهجية للنخب والانتيليجنسيا الأحوازية في انتفاضة نيسان3/3

الأزمة البنوية والمنهجية للنخب والانتيليجنسيا الأحوازية في انتفاضة نيسان3/3

الانسان يتميز بالوعي,ولايمكن بالتالي له أن يتهرب او أن يتجاهل التفكير الذي يعنيه, التفكير على مستوي مفاهيمي, ولكن التفكير الذي كانت تمارسه الانتيليجنسيا, كان متخلفا, وبالتالي عاجزا عن ادراك الواقع الذي انتدبت نفسها للعمل فيه, ذلك الادراك الذي يكشف عن طبيعة هذا الواقع, عن الانتظامية او الجدلية التي تحركه موضوعيا كي تعمل به ان تفكيرها كان, على العكس تماما فهو وسيلة التعبير عن رغبات تتطلع اليها, عن مشاعر تحفزها, عن “مايجب ان يكون”, تبشيرية مجردة تعمل على فرضها بصرف النظر عما يمكن موضوعيا في ضوء الواقع الموضوعي كما هو, وكما يمكن ان يكون في ضوء القوى والمتغيرات التي تحركه او يمكن ان تحركه من الداخل.

 التفكير كان بالنسبة لها وسيلة غير واقعية في التهرب من ضرورة الإدراك العقلاني الموضوعي, من العقل و الموضوعي و تحدياته. المنهج العلمي السياسي يعني في أوسع معانيه أنه منهج موضوعي, أي منهج يستمد من الواقع وليس من التأمل او الرغبات, أن التاريخ يكافئ الذين يخلصون ألى نتائج صحيحة يعملون بها او الظواهر التي ينشغلون بها.

هذه الملاحظات يجب ان لاتوحي بأن الكشف عن هذه الأزمة كاف في ذاته لتجاوزه, او أن الدراسة تعني فقط تقديم نظرية او تحليل حوله, ذلك لانها في ضوء هذه الاخيرة تعين طريقا للخروج منه في دراسة اخري فيما بعد. أنها تحاول, في الواقع, ان تكشف أرضية للأمل في هذه الأزمة نفسها, أمكانات يمكن بها الخروج منها. فالنظرية السياسية تنشغل ايضا بالاجتماعات, أنها تحاول أن تحدد الاوضاع الكافية او الضرورية في تحقيق مقاصد تعتبر, لسبب او لآخر, جيدة او مرغوب بها[i].

ليس هنالك من حلول بسيطة للتساؤلات والمشاكل التي تطرح, ويمكن ان تطرح نتيجة أزمة الأنتيليجنسيا والنخب السياسية الأحوازية. وما ترتب عليه من النضال القومي في المرحلة التاريخية الحالية. فمن يتوقع حلولا من هذا النوع لايدرك هذه المشاكل, الحلول التي يمكن أن تدفع اليها, الزمان او الواقع الذي نعيش فيه.

 ما يمكن صنعه هو تفسير طبيعة الأزمة, وفي ضوء تحديد النتائج التي ترتبت ويمكن أن تترتب علي هذه الأزمة, ومن ثم تحديد المخرج او الحل. ولكن التحديد لايعني في ذاته القدرة علي الاقناع به مهما كان متكمال العقلية العلمية التي يرجع اليها, او القدرة علي ترجمته الى عمل ايجابي فعال يغير اتجاه المستقبل العربي الأحوازي ولكن الباحث, وخصوصا عندما يكون مناضلا ملتزما, يرى ان واجبه الأول هو أن يكون أمينا لنفسه كباحث ومناضل.

 فيركز على تفسير صحيح لمشاكل كهذه دون أن يترك صعوبات وتعقيدات امام الحلول, او حتي احتمال أمتناع على الحل عندما ندرك الاخطاء او الخلل الأساسي الذي قاد الي أزمة النضال الأحوازي في هذه المرحلة, فإن الخطوة الأساسية تكون قد تحققت في تجاوز هذه الأزمات والتغلب عليها. أما الخطوة الثانية الصعبة فهي تحديد الطريق العملي للخروج من هذه الأزمة.

والاوضاع الموضوعية التي يجب أن تتوافر لذلك. هنالك قطاعات من المثقفين تنجر مع هذه الأزمة, ليس لأنها عاجزة عن ادراك ماحدث من أزمة, او لأنها لاتملك الإستعداد لتجاوز والتطلع الى تفسير علمي وموضوعي لما حدث او تمثل هذا التفسير والعمل به عند توافره, بل لأن هذا التفسير الذي تنظمه عقلية او نظرية عملية تمتد إلي جوانبه الأساسية غيرموجود.

أن نظرية تكشف عن أزمة وعجز الأنتيليجنسيا الأحوازية ضرورية جدا كشرط ضروري أول في تجارزها, وفي خلق او ظهور أنتيليجنسيا أحوازية جديدة تحل محل هذه الأنتيليجنسيا التي كانت, دون وعي منها ورغم نواياها الصادقة, حليفا تاريخيا موضوعيا للعدو المحتل او بالأحري اعداء هذا الشعب.

أنها نظرية ضرورية في تمهيد الطريق امام ظهور نمط فكري جديد يعبر عن عقلية علمية لايمكن دونها ظهور هذه الأنتيليجنسيا الجديدة الذي يحتاج اليها النضال القومي وتصحيح سيره وانتقاله الي صعيد تاريخي ونضالي جديد.

 الأساس حاليا هو ادراك طبيعة أزمة الأنتيليجنسيا والنخب السياسية الأحوازية التي تقترن بها وتعود اليها بقدر كبير علي الاقل أزمة او تعثر هذا النضال القومي. فهذا الإدراك يعني في ذاته, بشكل غير مباشر, تحديدا ضمنيا لكيفية الخروج من هذه الأزمة او التعثر ثانيا.

الوعي الذي نحققه حول الأزمة يستطيع أن يساعد جدا, إن كان سليما, علي تغيير علاقتنا بالنتائج التي ترتبت عليه. في وصفه للوضع الأوروبي في العشرينات من القرن الماضي, يكتب كارل مانهايم “في وضع معقد كوضعنا حيث تظهر مشاكل فكر جديدة, يجب علي الناس ان يتعلموا بان يفكروا بطرق جديدة لأن الانسان مخلوق يجب أن يكيف نفسه باستمرار مع تاريخه المتغير.

 حتي الأن لم تكن مواقفنا تجاه سيروراتنا الفكرية تختلف كثيرا عن مواقف اي شخص ساذج, اي إن الناس كانوا قد تعودوا علي السلوك و العمل في أوضاع دون ادراكها بوضوح[ii].

هذا ينطبق بدرجة أعلي بكثير علي وضعنا, علي الإنتيليجتسيا و النخب السياسية التي كانت مسؤؤلة بشكل من الاشكال عنه أضافة الي السياسات العنصرية للسلطة المركزية. الافكار والنظريات الجديدة التي يمكن أن تفرز وعيا جديدا تظهر نتيجة اوضاع جديدة تدفع نحوها وتتطلب وجودها كي تنظمها في تفسير, في إدراك ينسجم معها.

الايمان بقدرة العقل علي تحرير الانسان وسيادته علي نفسه والعالم او الواقع الذي يحيط به, لاتقتصر علي فلسفة التنوير الحديثه او عقلانية القرن الثامن العشر بل يمتد الي الفكر الحديث ككل, ويمثل تقليدا فلسفيا عريقا, نحن نقول بهذا الايمان ولكن في شكله العلمي الحديث.

 تجديد النضال السياسي الثوري, الأحوازي, ليس مسألة صياغات لفظية وانفعالات تنتج عن ذلك, بل هو إدراك عقلاني موضوعي صحيح يحدث خارج الوعي السابق العاجز في كلامه عن الأدراك النفسي العلمي يكتب احد كبار علماء النفس. الأدراك يحمل معه تخطيطا بناء للعمل, في الإدراك يمكن الحل[iii].

تلك الصياغات قدتكون مريحة في المدي القريب, لكنها تتحول الي موضوع للسخرية والمتاعب فيمابعد, الحالة الثورية قدتكون حالة مشاعر, ولكن مشاعر تنقاد للعقل والوعي العقلاني, إنها مسألة “رأس” وليس مسألة الفاظ نرتاح اليها لأنها ذات صدي طيب. الناس يتعلمون كيف يحققون ويطورون مواقفهم كمشاهدين ليس فقط لأعمال الآخرين بل لأعمالهم هم ايضا. العلوم الحديثة, الاجماعيتة و الطبيعية تؤكد نظرة عقلانية, الي العالم تجعل الكائنات الإنسانية قادرة علي أن تجعل أعمالها, وأفكارها نفسها موضوعا لذاتها.

عندما يدرك الانسان الشروط التي يفترضها التفكير السليم ويتطلبها الوعي الموضوعي العلمي في مواجهة مشكلة ما, او في الوصول الي مقاصد معنية, فأنه يكون قد أتخذ خطوات الأولي الضرورية في التغلب علي هذه المشكلة او تحيقيق هذه المقاصد. عندما ندرك تماما لأن من الضروري والممكن التمييز الواضح بين اقوال ومفاهيم يمكن التدليل إنها صحيحة وموضوعية واخري تعبر عن مواقف ذاتية, عندئذ فقط نستطيع أن نتطلع الي خلق معرفة سياسية ونضالية يمكن للآخرين القبول بها والإلتقاء فيها.

 العمل الذي ينتدب المفكر نفسه للقيام به هو تحرير العقل من المفاهيم و القيم السائدة, وخصوصا عندما تكون عاجزة تماما عن القيام بالدور الذي يفترض بها القيام به. انه عمل يعتمد العقل في خلق نظام من الظواهر التي تحيط به بدلا من الفوضي التي قدتكون تسربت اليها.

الهدف من تجاوز أزمة الأنتيليجنسيا وإحياء النضال الثوري التحرري, ليس فقط تحقق المقاصد التي تقترن بها, بل تحقيق هذه المقاصد ايضا كضرورة لإسهام الشعب العربي في تطور التاريخ والانسانية.

 

الواقع الاجتماعي المرير ونشوء الأنتيليجنسيا المتأزمة

تتأثر الجماعة البشرية وكذلك الفرد بالواقع الاجتماعي وتؤثر في السيرورة الاجتماعية وكذلك بقية مناحي الحياة الاقتصادية والثقافية والسياسية في عملية جدلية مستمرة بوتيرة مختلفة مما يولد حراك مجتمعي وفكري باتجاهات مختلفة كما ان الواقع الاجتماعي هو حصيلة ونتاج مجموعة عوامل متداخلة يتفاوت تأثيرها في مراحل زمنية مختلفة.

وللطليعة والجماعات الطليعية دور هام في عملية الحراك المجتمعي في كل زمان ومكان, حيث تفاوتت تلك الجماعات الطليعية في مختلف المجتمعات والأزمنة علي سبيل المثال تزعمت الاحزاب العمالية والعمال, النضال في بلدان كثيرة اواخر القرن التاسع عشر وقرن العشرين وكذلك الطلاب والفلاحون والطبقة البورجوازية وجماعة الخضر.

 كما ان حراك وتفاعل تلك الجماعات والطبقات يدل علي دينامية وصحة المجتمع في طريقه نحو الرقي والتطور المجتمعي والتنمية في شتي مجالاتها السياسية والاقتصادية و…

تفاوت دور اللاعبين الأساسيين والطلائع ورواد المجتمع الأحوازي في المراحل التاريخية المختلفة منذ تشكيل اول دولة حديثة في مرحلته التاريخية الثالثة. حيث المرحلة التاريخية الأولي هي الدولة العيلامية والثانية هي الامارات شبه المستقلة والتابعة للخلافة الاسلامية والمرحلة الثالثة هي نشوء الدولة المشعشعية علي يد “محمد بن فلاح المشعشعي” وكذلك امارة بني كعب العربية.

وكان لكل من الدول بالمرحلة الثالثة خصوصية معينة ولاعبين أساسيين, حيث كانت بنية الدولة المشعشعية ترتكز علي الأيديولوجية الدينية والقومية في نفس الوقت وهي أشبه الي الدول العربية الحديثة. وكانت الأيديولوجية المذهبية والقومية هي المحرك الأساسي في عملية الحراك المجتمعي والادب و الفن والثقافة والعلم.

وكان لرجال الدين والأدباء وكذلك الزعمات التقليدية مثل التجار والإقطاعيين وزعماء القبائل مكانة مرموقة بالمجتمع والدولة. كما كانت لها خصوصية قومية معينة بسبب التنافس القائم بينها وبين الدولة الصفوية وكذلك الامبراطورية العثمانية مما انعكس علي الثقافة والأدب وخطاب الدولة الرسمي وتوجهاتها السياسية والفكرية.

أما بالنسبة لامارة عربستان العربية(امارة بني كعب) يختلف الوضع بالنسبة للحراك المجتمعي وقواه الفاعلة والجماعات الطليعية في تلك الدولة والمجتمع, ويرجع السبب الي بنية المجتمع والدولة في تلك الحقبة التاريخية, حيث كان النسق السياسي(Political system) عبارة عن اتحاد قبلي(Tribal Confedration) يتشكل من زعماء القبائل والزعيم الأكبر الذي يسمي “شيخ المشايخ” اي زعيم الدولة.

 كما ضعف دور الرعمات الدينية والتجار بسبب طبيعة المدن والحروب الطاحنة التي واجهتها تلك الأمارة بسبب التغلغل الاستعماري الغربي( البرتغالي والهولندي والبريطاني) وكذلك الغريمين التقليدين, الدولة الفارسية والامبراطورية العثمانية.

 فضعفت علي اثر ذلك حركة الثقافة والنشر والأدب وتشرذم المجتمع العربي الأحوازي الي قبائل وزعامات محلية  وكان هذا طوال القرن الثامن عشر والتاسع عشر.

وبعد استلام “الأمير خزعل بن جابر” زمام الأمارة والسلطة تغيير الواقع الاجتماعي والسياسي بعض الشيء حيث انشأ بعض المدارس العربية بالمحمرة وأصدر الصحف وأغدق على المثقفين والشعراء والكتاب حتي اصبحت المحمرة من أهم المدن الخليجية من حيث المعرفة والثقافة والحراك المجتمعي وتربيتة المثقفين.

 لكن سرعان ماتغييرت الأوضاع على أثر الإحتلال الكولونيالي المباشر بالعشرين من نيسان 1925م حيث دخل الشعب العربي الأحوازي مرحلة جديدة ونفق مظلم استمر الي يومنا هذا.

الكاتب : المرحوم محمد النواصري

—————–

[i] . Wolin’s Politics and Vision Little,Brown and Co. 1960.

[ii] .Manheim, K. Ideology and ufopia, Harcourt, Bruee and world,1936.

[iii] .Lombardi, D, Search for significance, Nelson_Hall, 1975.

كافة حقوق النشر محفوظة لموقع بادماز. ما ينشر في هذا الموقع لايعبر بالضرورة عن موقف التيار الوطني العربي الديمقراطي في الاحواز.

الصعود لأعلى