انت هنا : الرئيسية » سياسة » “صفوي” يطمح بإعادة الامبراطورية الفارسية

“صفوي” يطمح بإعادة الامبراطورية الفارسية

“صفوي” يطمح بإعادة الامبراطورية الفارسية

الحدود الايرانية من الشمال الشرقي تجاور العديد من بلدان آسيا الوسطى، وتحديدا نهر جيحون، هو الحد الفاصل ما بين “ايران” و”الطوران” حسب اسطورة “آراش كامانجير” الفارسية.

تقول اسطورة “آراش كامانجير” ان ايران كانت عامرة وحدودها في الشمال الشرقي تمتد من نهر جيحون فی أوزبكستان الى الاف الأميال نحو الجنوب والغرب والجنوب الغربي.

وتروي الأسطورة أن قوات شرسة من “الطورانيين” احتلت إيران، حتى وصلت الى طبرستان، أي المقاطعات المشاطئة لجنوبي بحر قزوين، وبعد أن انهزمت القوات الايرانية سيطرت القوات الطورانية على البلاد بأسرها.

وبعد هذا الحدث التي جلب كارثة لإيران، حيث ترجمت بإحتلال البلاد، بدأت القوات الطورانية تستخف بحياة الناس حتى ان جاء رجل يدعى “آراش” وهو يحمل رسالة من قبل “منوتشهر” ملك ايران موجهة الى “افراسياب” ملك الطورانيين يستدعيه فيها الى ايقاف الحرب والبدأ بالتفاوض ولكن جاءت ردة فعل الطورانيين عكسية حيث تم استحقار الايرانيين حينها.

وقال افراسياب: نطلب من الايرانيين ان يقدموا احد ابطال جيشهم حتى يرمي سهما وحيث يقع السهم، هناك ستكون الحدود الطورانية – الايرانية !

وانتشر الخبر في جميع انحاء البلاد والجمیع كانوا خائفين ألا يجدوا من يرمي سهما من قوسه يعيد به رسم الحدود، سهم یجب ان يرمى من طبرستان نحو نهر جيحون في آسيا الوسطى حتى یقطع الاف الامیال ویقع حیث کانت الحدود الايرانية – الطورانية مرسومة سابقا.

ولكن ساعي بريد في الجيش الايراني تقبل المسؤولية وهو النبّال آراش، وبكل بسالة حيث صعد على قمة جبال البورز وتحديدا من أعلى قمته “دماوند”، واستعد لرسم الحدود، وبروح زكية، وببطولية وجه السهم نحو آسیا الوسطی، وبعد ما اخذ انفاس عميقة وحلّت روحه الوطنية في “السهم”، صوبه نحو الشمال الشرقي ونهر جیحون، وراح السهم يشق عباب السماء منذ مطلع الفجر، حتى غروب الشمس، كي يهبط السهم وينبت في شجرة جوز، بالقرب من نهر جیحون حتی تصبح هناك الحدود الايرانية – الطورانية!

وتوفى آراش حينها، وتم تقطيع جسده إرباً إرباً ومن ثم تم توزيع قطعات جسده على انحاء البلاد “للتبرك” بصفته بطل اعاد حدود البلاد لمكانها السابق بعيد الاحتلال الطوراني!

يبدو انه لو استطاع السياسي العربي ان يمكث قليلا ويقرأ ترجمات بعض الاساطير والأشعار والقصص والروايات الايرانية وغيرها من انتاجات ادبية بالاضافة إلى ملخص لتاريخ ايران ومن ثم يقارن ذلك بما تصدر من تصريحات لساسة هذا البلد قد يستطيع ان يفهم العقلية الايرانية وحينها يستطيع التعامل مع اصحاب هذه العقلية حسب إرادته.

تصريح “الفريق سيد يحيى رحيم صفوي” مستشار المرشد الايراني في الشؤون العسكرية حول الحدود الايرانية وربطها بالجنوب اللبناني والبحر الابيض المتوسط، ليست هي الأولى من نوعها في تاريخ الدولة الايرانية الحديثة، حيث سبق وأن صدرت تصريحات مماثلة من قبل جهات ايرانية رسمية، مئات المرات، سواء في العهد الملكي أو في حقبة الجمهورية الاسلامية.

كما ان الاعلام الفارسي المعاصر بشقيه الحكومي والمعارض مليء بمثل هذه الافكار التوسعية وهذا لا يقتصر على الساسة بل العقلية التوسعية واوهام الامبراطورية التي تبحث عن آراش جديد جلية في الكثير من المقالات والبحوث والدراسات الأكاديمية، ومعظم المساهمين في نشر هذه الطموحات يحلمون بإعادة رسم “الحدود الايرانية الإخمينية” التي حسب العقل السياسي الايراني تضم اجزاء من باكستان وافغانستان وطاجيكستان وقرغيزستان وأزوبكستان وأذربيجان وأرمينيا وجورجيا والقوقاز واجزاء من تركيا وبلاد الشام وقناة السويس وباب المندب واليمن والعراق والكويت والساحل الغربي للخليج العربي.

كمتابع للشأن الإيراني وصحفي درست وعشت في ايران اكثر من ثلاثين عاما أرى أن حديث “الفريق سيد يحيى رحيم صفوي” القائد السابق لحرس الثورة الاسلامية ومستشار المرشد الايراني حين يقول: (أن “حدود بلاده الحقيقية” ليست كما هي عليها الآن في الشلمجه، بل تنتهي عند شواطئ البحر الأبيض المتوسط عبر الجنوب اللبناني وأن هذه “ثالث مرة” تصل فيها حدود إيران إلى البحر الابيض المتوسط) حسب المراحل التي كان لإيران دورا أو منفذا على الابيض المتوسط، يمكن تفسيرها كالتالي؛

المرة الاولى؛ وصل جيش ايران الى مصر وتم احتلال مصر في سنة 525 قبل الميلاد حيث طال عمر الاحتلال الفارسي لمصر حتى سنة 331 قبل الميلاد أي نحو مائتي عام وسمي المصريون القدماء عهد الحكم الفارسي”عهد الويلات”، وعمدوا المصريون الى الثورة أكثر من مرة لخلع ذلك العدو المحتل الثقيل، وتحالفت معهم الشعوب المجاورة التى غزاها الفرس أو أرهقوها، كالليبيين والفينيقيين والإغريق وغيرهم وتم النصر للمصريين فى النهاية، فطردوا الفرس ووحدوا دولتهم… نتيجة لثوراتهم المتواصلة، حسب المؤرخين المصريين.

واستمرت مطاردة الفرس حتى استطاع اسكندرالمقدوني يهزمهم هزيمة تاريخية ويدحرهم لقرون عدة ولكن استعدوا الفرس للمرة الثانية الى الحضور على سواحل المتوسط في عهد الساسانيين(651-226م).

 المرة الثانية؛ احتلال الساسانيين للعراق واقسام من بلاد الشام واليمن، حيث تلت تلك الاحداث تقسيم المنطقة العربية الى قسمين تحت امر كل من الساسانيين الفرس والرومان، وكان يقع القسم الشرقي تحت سيطرة الفرس الساسانيين وتصل سيطرتهم عبر منافذ على البحر الابيض المتوسط بشراكة مع الرومان الذين يسيطرون على الجانب الغربي من المنطقة العربية.

استمرت احتلالات الساسانيين للمنطقة العربية حتى ان توحدت القبائل العربية تحت راية الاسلام ودحروا الفرس من بلاد الشام والعراق وتم اغلاق بوابات دخول الفرس على الابيض المتوسط وتم فتح كافة انحاء هضبة ايران على يد جنود الجيش الاسلامي انذاك.

وتوسعت الفتوحات حتى ان عبر الفاتح “قتيبة بن مسلم” نهر جيحون، وهذه ليست اسطورة كما روي لنا الادب الفارسي اسطورة آراش كامانجير وإنما هذه حقيقة تاريخية مثبتة حيث دخل الفاتح قتيبة بن مسلم مع جيشه بلاد آسيا الوسطى عبر نهر جيحون وهكذا انتهت التهديدات الفارسية المستمرة وتوقفت اطماع الايرانيين بالتحكم بكافة شؤون المنطقة من البحر الابيض وصولا الى السويس وباب المندب حتى الخليج العربي وكذلك آسيا الوسطى عبر التمدد السياسي والعقائدي والعسكري وصولا الى التمدد الجغرافي.

المرة الثالثة؛ بدأت بتأسيس الحركة الشعوبية وتطورت بمرور الزمن عبر التسلل في ادارة الحكم في الدولة الاسلامية وتأسيس الحركات الارهابية كـ”حركة الحشاشين 1094 – 1256 م”وغيرها من حركات.

واتضحت ملامح هجوم الفرس بالاطاحة بالدولة الاسلامية باستخدام الغزاة المغول، واستمر الوضع بتواجد الفرس في كافة مفاصل الدولة الاسلامية، حتى ان تم تأسيس اول كيان فارسي، أي (الدولة البويهية”1055-923 م”) وتلتها كيانات اخرى، حتى ان وصلت الى عهد نادر شاه (1160-1148 م) ولعبت الدولة الفارسية المعاصرة طيلة تاريخها لاسيما في عهد نادر شاه وكافة سلالة الاسرة الصفوية والقاجارية وصولا الى رضا وابنه محمدرضا البهلوي ومؤخرا حكومة الجمهورية الاسلامية بقيادة الخميني ومن ثم الخامنئي دورا اساسيا فيما يتعلق بالتوسع الجغرافي على حساب الاخرين.

وفي عهد محمد رضا البهلوي أخر ملك ايران وكذلك في ظل الجمهورية الاسلامية استمرت ايران بنفس المشروع والتوجه الطامح الى اعادة حدود ايران الإخمينية وهذه المرة في عهدين الشاه محمدرضا البهلوي والجمهورية الاسلامية حيث جاءات الدولة الايرانية كي تستمر بالتوسع عبر الدين وشراء ذمة بعض الكتاب والصحفيين والسياسيين والفنانيين وحتى الضباط في الجيوش والدوائر الأمنية في كافة انحاء الوطن العربي.

وکذلك تعمل ايران على ايجاد حلقات تواصل بالمجتمعات والمؤسات العربية عبر العرب المقيمين في اوروبا والولايات المتحدة وكندا واستراليا بضخ الاموال الطائلة لوصول الى غايات غير مشروعة حتى تأسيس احزاب ومليشيات تابعة الى ايران في كل من لبنان واليمن والعراق وإيجاد تكتلات سياسية تنفذ اجندة طهران في بلدان عربية منذ فترة حكم محمد رضا البهلوي أخر ملك في ايران حتى اليوم في ظل حكم الجمهورية الاسلامية، ناهيك عن الخلايا الارهابية التي يتدرب اعضائها في طهران والشام خلال الخمسة والثلاثين سنة الماضية.

فلهذا جاء تصريح مستشار المرشد الايراني كي “يبث الهزيمة النفسية في نفوس العرب” بغية إخضاع الدول العربية لسياسات ايران والقبول بدورا لطهران حتى وإن كان دورها غير شرعي وعلى حساب الشعوب العربية ودولها.

وحين يؤكد صفوي أن حدود بلاده الحقيقية هي ليست في الشلمجة وإنما من الناحية الغربية تصل حدود ايران الى سواحل المتوسط هو بالضبط ينطلق من الخلفية الثقافية التي ساهمت في بناء شخصيته العسكرية أي الخلفية الثقافية التي تلقاها عبر الكتب الدراسية التي قرأ فيها اسطورة آراش كامانجير وغيرها من اساطير وقصص وروايات وشعر وكذك دراسات وبرامج عسكرية سبق وتم إعدادها في العهد الملكي واستكملت في عهد الجمهورية الاسلامية واليوم تتبلور في خطاب ايران السياسي داخليا وخارجيا.

يرى اليوم المستشار العسكري للمرشد الايراني ان حدود بلاده يجب ان ترسم من جديد وتعاد الى سابقها، كما كانت في عهد الإخمينين (550-330 ق م).

وأن لم نرى اليوم تواجد واضح وقوي لإيران في آسيا الوسطى فهذا الموضوع نتيجة تخوف طهران من موسكو وليست لأمرا أخر، كما ان هجوم ايران المستمر على المحيط العربي في العصر الحديث بدأ بإنتظام ودقة فائقة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية حيث تولى شاه ايران الشاب آنذاك محمد رضا بهلوي زمام السلطة في فترة مابين عام 1941 حتي 1979 وفي هذه الفترة إعدت أسوأ برامج سياسية وعسكرية ضد المحيط العربي ومن زار قصور شاه ايران في منطقة سعدآباد بشمال العاصمة الايرانية طهران وغيرها من اماكن يرى طموح الفرس مرسومة على جدران القصور حيث جغرافية ايران تبدأ من قناة السويس حتى تخوم الهند ومن آسيا الوسطى حتى بحر العرب واستورثت الجمهورية الاسلامية كافة برامج عهد الشاه وتم تطوريها اليوم حسب المفاهيم العصرية.

فهنا نستطيع ان نعلّل على تواجد قوات القدس التابعة لحرس الثورة في جميع المناطق آنفة الذكر لاسيما حرب هذه القوات على الشعب السوري خلال السنوات الماضية، حيث تعمل هذه القوات وكافة سفارات ايران على تحقيق حلم إعادة امبراطورية فارس حسب المفاهيم الحديثة في العلاقات الدولية وحديث صفوي حول الموضوع جاء من بيت السياسة والأمن الايرانيين تأكيدا على أطماع ايران وطموحاتها، وبالمقابل هناك ايضا توجد حدود عقائدية ودينية ومذهبية وقومية وثقافية لدى الدول المحيطة بإيران في هذا البلد.

 

 

بقلم: نوري حمـزة

كافة حقوق النشر محفوظة لموقع بادماز. ما ينشر في هذا الموقع لايعبر بالضرورة عن موقف التيار الوطني العربي الديمقراطي في الاحواز.

الصعود لأعلى