انت هنا : الرئيسية » سياسة » مراكز صناعة القرار في إيران

مراكز صناعة القرار في إيران

 أصبحت إيران خلال العقد الأخير، وخاصة بعد سقوط نظام طالبان في أفغانستان عام 2001، وكذلك سقوط نظام البعث في العراق عام 2003، لاعباً سياسياً قوياً في منطقة شرق الأوسط، حيث أدت هذه الأحداث المهمة التي حدثت في المنطقة في أوائل القرن الواحد والعشرين والتي أثرت على الساحة الداخلية الإيرانية، إلى تمهيد الطريق أمام الحرس الثوري للتحول إلى دويلة داخل دولة.

الجدير بالذكر أن في إيران مؤسستان لهما اليد الطولى في صناعة القرار للسياسات الداخلية والخارجية، وهما المؤسسة الدينية وعلى رأسها المرشد، والتي تعرف بالوسط السياسي الإيراني باسم “بيت رهبر” وتعني هذه المفردة “بيت المرشد”، وكذلك مؤسسة الحرس الثوري “سپاه پاسداران انقلاب اسلامى”، والتي تعرف في الشارع الإيراني بـ “حزب پادگانى” وتعني هذه المفردة حزب العسكر”،التي تستمد مشروعيتها من قدسية منصب ولي الفقيه في جمهورية إيران الإسلامية من جهة، ومكانة “السباه” الاقتصادية العملاقة في الشرق الأوسط، حيث تشير الإحصائيات من دوائر حكومية في إيران؛ أن الحرس الثوري يسيطر على 70% من ثروات البلاد من جهة ثانية. فهذه الثروات والإمكانيات الهائلة مكنت الحرس الثوري أن يتمدد ويؤثر في صناعة القرار في داخل وخارج إيران، مستمداً هذه القدرة السياسية والتأثير من العلاقة المتكاملة بين المرشد والمؤسسة الدينية. ومن المهم بمكان أن نتعرف في البداية على هاتين المؤسستين اللتين تحددان السياسة الداخلية والخارجية للجمهورية الإسلامية الإيرانية، والعلاقة فيما بينهما.

1-  مؤسسة الحرس الثوري “سپاه پاسداران انقلاب اسلامى”.

2-  مؤسسة ولي الفقيه “بيت رهبرى”.

3-  “علي خامنه اى” والحرس الثوري علاقة متكاملة.

أولا ً- الحرس الثوري،خلال العقود الثلاث الماضية مر بسلسلة مراحل يمكن تصنيفها كالتالي:

أولاً-  مرحلة تأسيس الحرس الثوري ومهامه: 

يعتبر الحرس الثوري أولى المؤسسات التي تم إنشاؤها بعد انتصار الثورة في إيران الحالية عام 1979 وذلك في مايو/أيار، ويبدو اللبنة الحقيقة لنشأة الحرس الثوري أو بالأحرى الفكرة هي لحزب الحرية “نهضت آزادى”، حيث طرحت هذه الفكرة على “الخميني” عندما كان في باريس، وكانت الفكرةمستقاةمن تجربة جيش التحرير الجزائري ومحاربي كوبا. وفي العام نفسه كلف الخميني، لجنة شورى الثورة بإنشاء الحرس الثوري، وفعلا ً تم إنشاؤه وعرف بـ “سپاه پاسداران”، ولغويا ً تعني هذه المفردة حراس الثورة أي “سپاه” وتعني “الجيش” و”پاسداران” تعني “الحراس” والذي عرف بـ الحرس الثوري الإيراني في الشارع العربي.

وبالفعل بعد الموافقة النهاية من قبل الخميني، بدأت اللجان الثورية بتسجيل الراغبين والمتطوعين من المدن والقرى ومن كافة شرائح المجتمع للانضمام إلى صفوف الجيش الجديد، وبمفهوم جديد ذا رؤية ثورية، وكانت مهمة هذا الجيش الذي عرف بالحرس الثوري في بادئ الأمر “حراسة الثورة” من الأخطار التي من الممكن أن تعيق مسار الثورة حسب رؤية قادة الثورة الأوائل. وتم إرسال الدفعات الأولى من المنتسبين والمتطوعين إلى سورية ولبنان للتدريب العسكري وذلك لوجود القوى الثورية العربية في بلاد الشام في تلك المرحلة من تاريخ المنطقة العربية.

وحددت لجنة شورى الثورة مهام الحرس الثوري “سپاه” في ثمانية نقاط، وهي كالتالي:

  • مساعدة الشرطة والقوى الامنية للتصدي للتيارات والقوى السياسية التي عرفت     بالمنافقين.

  • محاربة المجموعات المسلحة التابعة للمنافقين (القصد من مفردة المنافقين     هنا: كافة القوى السياسية المعادية للثورة).

  •  الدفاع ضد     الهجمات، والتصدي لنشاط التيارات والقوى السياسية التابعة للقوى الخارجية      “المرتبطة بالأجنبي” داخل البلاد.

  • التنسيق والعمل المشترك مع القوات المسلحة الإيرانية.

  •  تعليم     وتدريب منتسبي الحرس الثوري في المجالات الاجتماعية والعقائدية والسياسية     والعسكرية.

  •  مساعدة     الجمهورية الإسلامية في إنجاح وتثبت الثورة الإسلامية.

  •  مساندة     وحماية القوى التحررية في حقهم في العدالة من المستضعفين في العالم، تحت راية     المرشد وقائد الثورة في الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

  •  الاستفادة     من الاختصاصيين من المنتسبين للحرس الثوري للتصدي للأخطار القومية والكوارث     غير المترقبة، وكذلك مساندة المشاريع والبرامج التنموية للجمهورية الإسلامية،     والارتقاء بمكانة الحرس الثوري في المجتمع والجمهورية الإسلامية.

يتألف الحرس الثوري من أكثر من 125000 عنصر، وتنظم هذه العناصر في المجموعات التالية، من حيث الشكل التنظيمي للحرس الثوري، وهي:

  • الأركان العامة للحرس الثوري.

  •  القوات البرية للحرس الثوري.

  • القوات الجوية للحرس الثوي.

  • القوات البحرية للحرس الثوري.

  • قوات الباسيج التابعة للحرس الثوري.

  • قوات فيلق القدس التابع للحرس الثوري.  

يمتلك الحرس الثوري مقار عديدة في كافة المدن الإيرانية والقرى والارياف، كما أن لديه قوات خاصة تبرز مهماتها عند الحاجة فقط –مثلاً في حال حدوث أحداث سياسية وقومية في المناطق التي تسكنها الشعوب غير الفارسية- وتعرف بالعناصر الاحتياطية، وهي تابعة بالضرورة لقوات الباسيج.

للحرس قدرة في التحكم في الحروب التقليدية، كما لديه قدرة فائقة ودقيقة جداً في التحكم وتطوير الصواريخ، والاستفادة من منظومة صواريخ بالستية، ومن أهمها صواريخ شهاب 3. وله شبكة بشرية هائلة مهمتها خارج حدود إيران، وعناصرها تتشكل من جنسيات مختلفة، أهمها عربية “شيعية” والتي تعرف بـ “فيلق القدس”.

كما يمتلك الحرس القدرة في حال امتلك السلاح النووي، على المحافظة على هذا السلاح الخطير، وإمكانيته في ترشيد وتأهيل العناصر التي قد تعمل في مجال التصنيع العسكري.

كما للحرس الثوري مؤسستان هامتان تعملان في موازاة وزارة المخابرات الإيرانية، وهما استخبارات الحرس الثوري، وممثلية ولي الفقيه، ومهمتهما التواجد في كافة المؤسسات التابعة للحرس الثوري، ويعتبران العين والأذن والأمن للمرشد في الحرس الثوري. 

حدد رحيم صفوي -المساعد ومستشار العالي للقوات المسلحة للمرشد خامنه اي- مهام الحرس الثوري بالنقاط التالية، وذلك بعد أن تم اتخاذ استراتيجية جديدة، وحدد لها خمسة مهام منها ثلاثة مهام أصلية واثنتان فرعيتان، وهي: 

  1. 1.     الأصلية: دفاعية وأمنية وثقافية.

  2. 2.     الفرعية: اقتصادية تتمحور في بناء إيران، وكذلك مساعدة الشعب في الحوادث غير المترقبة.  

وعلى ضوء المهام التي حددها المستشار العالي للقوات المسلحة للمرشد، يتبين أن الحرس الثوري هو المخول الوحيد للقيام بحماية النظام من الأعداء وكذلك المخاطر التي تحيط به، وهذا الأمر يبن جلياً الدور الذي يلعبه الحرس الثوري في المنطقة وإيران على وجه الخصوص.

 

ثانياً- المرحلة الاقتصادية ونفوذ الحرس الثوري في مفاصل الحياة الاقتصادية:

بدايات النشاط الاقتصادي يعود للحرب الإيرانية – العراقية، وذلك من خلال بناء السدود مما لهذا الأمر من أسباب ورؤية أمنية بحتة، كما هو معرف فإن أهم الأنهار هي في الأحواز وذلك لأهميتها في الحسابات الاقتصادية والعسكرية الإيرانية.

كما أنه في تلك الآونة، افتقد الحرس الثوري للمعايير العلمية والإدارية والعسكرية التي تتحكم في هيكلية الجيوش في العالم، إنما كانت السمة البارزة التي يمتاز بها الحرس هي العلاقات والروابط البينية وبالأحرى كان تنظيماً أفقياً، وفي الكثير من الأحيان، كان الطابع الثوري هو المسيطر والسائد في أروقة الحرس الثوري.

وعندما قررت حكومة الرئيس الأسبق هاشمي رفسنجاني خصخصة الاقتصاد الإيراني، سنحت الفرصة للحرس أن يدخل وبقوة في مفاصل الحياة الاقتصادية، وعلى كافة المستويات الزراعية والصناعية والمعادن والموصلات وتعبيد الطرق، وكذلك الواردات والصادرات.

يمتلك الحرس الثوري أكثر من 100 شركة عملاقة (منها: تعاونية، مقاولات، تجارية، صناعية،..)، تعمل هذه الشركات في كافة المجلات القانونية وغير القانونية، ومنها: 

  • استيراداللوازم الكهربائية الممنوعة وغيرها من السلع.

  •  صناعة السيارات.

  • صناعة النفط والغاز.

  • تصدير النفط.

  •  المواصلات.

  •  تجارة     المخدرات.

ومن أهم هذه الشركات:

1.     خاتم الأنبياء:

وهي شركة البناء التي تعرف بـ “خاتم الأنبياء”، وكان رئيسها محمد على جعفري رئيس الحرس الثوري الحالي، وتعتبر هذه الشركة من أهم الشركات في الشرق الأوسط، والتي تضم مجموعة شركات كبيرة وصغيرة، ولها اختصاصات كثيرة في كافة المجالات الاقتصادية، ويتجاوز عدد موظفين هذه الشركة العملاقة 45000 شخص بين مهندسين وموظفين (المستشار القانوني للحرس الثوري، ايسنا، 21/1/2013)، وتقدر المشاريع التي أتمتها مجموعة خاتم الأنبياء حسب تصريح معاون إعادة البناء في الحرس الثوري عبد الرضا عابد زادة، حيث قال إنه من عام 1990 إلى اليوم الذي صرح به فقد بلغ عدد المشاريع 1220 مشروعا ً و 247 مشروعاً قيد الإنشاء، وكما في مجال صناعة النفط  قدمت استشارات فنية بلغت 150 مشروعاً و21 مشروعاً يتم العمل بها، لذلك تقدر حجم العقود لمجموعة خاتم الأنبياء بـ 15مليار دولار. وفي تقرير لوكالة فارس للأخبار التابعة للحرس الثوري (22/11/2012) ” إن خاتم الأنبياء منذ بداية العقد الحالي لن تعمل بعد الآن بعقود تقل تكلفتها عن 100 مليون دولار”.

2.     المؤسسة التعاونية للحرس الثوري:

وهذه المؤسسة تعتبر من أهم المؤسسات الإيرانية ولها نشاطات اقتصادية وتجارية ومالية، ومن أهم الشركات التي تعتبر فروع هذه المؤسسة:

  •  شركة أفق صابرين للإنشاء والإعمار.

  •  مؤسسة أنصار المالية والاعتبارية.

  • مؤسسة موج نصرجستر(gostar).

كما تمتلك هذه المؤسسة حصصاً في الشركات العملاقة الأخرى، وتصل نسبتها إلى 45% من أسهم مجموعة بهمن، و4% من أسهم شركة “سايپا” العملاقة في صناعة السيارات، و25% من أسهم شركة بتروكيمياويات كرمانشاه، وغيرها من الشركات الأخرى.

3.     مؤسسة كوثران:

وهذه المؤسسة تابعة كليا ً للحرس الثوري، وتختص بالكهربائيات والتكنولوجيا الحديثة، ولها فروع كثيرة ومتنوعة في النشاط الاقتصادي والتجاري، وخاصة الواردات من المعدات الحساسة في الصناعات الأساسية في الاقتصاد الإيراني، كما ترتكز هذه المؤسسة على السياسات الاستراتيجية والتوجيه والتخطيط للمشاريع الكبيرة والصغيرة.

للحرس الثوري أيضاً نشاطات اقتصادية هامة وحيوية، ومن أهمها:

  • المطارات التابعة للحرس الثوري، ومن أهمها: “مطار بيام”      و”مطار أية الله خميني”، وغيرها من المطارات الأخرى.

  •  شركات الطيران، ومن أهمها: “شركة هما” و “شركة     زاجروس”، وغيرها من الشركات الأخرى.

  •  المراسي     والارصفة التابعة للحرس في الأحواز، وعددها أكثر من 60 رصيفاً ومرسى حسب     تصريح كروبي في المجلس لدورته السادسة، والتي عرفت بالمؤانئ غير المرئية في     الصحافة الإيراني، وحسب تصريح لقمانيان المندوب الإيراني في المجلس السادس     تقدم هذه المؤاني 68% من صادرات إيران التجارية.

  •  الإعلام     المرئي والمسموع والمكتوب، وفي هذا المجال يمتلك الحرس الثوري قدرات هائلة لا     يستهان بها أبداً، وتقدر القنوات الفضائية بالعشرات، ناهيك عن الصحافة     الورقية والانترنت ومحطات الراديو. إذ يقدر عدد الفضائيات التابعة للحرس     الثوري بـ 36 فضائية ناطقة باللغة العربية وحدها.

ومن خلال هذه المكانة الاقتصادية التي حولت مؤسسة الحرس الثوري إلى محرك أساسي في منطقة شرق الأوسط، بل إلى مافيا اقتصادية تؤثر في اقتصاديات الدول سلباً وإيجاباً.

 

ثالثا ً: المرحلة السياسية وبناء الدولة:

بعد انتهاء الحرب الإيرانية – العراقية، حصل خلاف شديد بين قادة الحرس الثوري من جهة، وهاشمي رفسنجاني وحزب البناء “كارگزاران سازندگی” الذي أسسه رفسنجاني وعدد كبير من صناع القرار في الجمهورية الإسلامية من جهة أخرى. وتمحور هذا الخلاف، أو الصراع -إذا صح التعبير-، حول رغبة قادة الحرس الثوري في دخول الحياة السياسية، وعلى رأسهم محسن رضائي رئيس الحرس الثوري سابقاً، حيث كان رفسنجاني ورجالات المؤسسة الدينية متخوفين من هذه الرغبة، فكانوا يرغبون أن يبقى الحرس الثوري بعيداً عن السياسة، حتى لا يشكل في المستقبل خطراً حقيقياً على نظام الجمهورية الإسلامية قد يؤدي إلى عزوف الشارع عن النظام. مما أدى إلى تحول هذا الخلاف بين المرشد “على خامنه اي” والحرس الثوري من جهة ورفسنجاني ومجموعته وبعض من قادة التيار الإصلاحي من جهة ثانية. وبالنتيجة استطاع “على خامنه اي” والحرس الثوري من إبعاد رفسنجاني كلياً من الحياة السياسية، كما استطاع جناح المرشد الذي عرف بـ “بيت رهبري” أن يكسب الكثير من فئات الشعب والقوى السياسية التي تعرف بـ “المحافظين” وهم كثر.

تحول الحرس الثوري إلى قدرة اقتصادية وسياسية هائلة، كما بدء يتحول إلى تنظيم يتماشى والحداثة في مفهومها لتنظيم الدولة اقتصادياً وسياسياً. فالحرس الثوري يضم في طياته قوى سياسية واقتصادية مؤثرة جداً في الشارع الإيراني، ومكنت هذه المعطيات الحرس الثوري من بناء دولة اقتصادياً وسياسياً بالطريقة التي تحلو له، وذلك من خلال أدلجة الدولة والتحكم بمفاصل الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. ومن أهم النتائج التي حصل عليها الحرس الثوري، هي استحواذه على كافة المؤسسات الحكومية وإدارتها بواسطة القادة الذين تم تأهيلهم لهذا الغرض. حيث قال المرشد “علي خامنه اى” يوم الثلاثاء المصادف 17/9/2013 “إن الحرس الثوري قام بإعداد أفضل المدراء لتستفيد منهم الأجهزة الحكومية”، وعلى سبيل المثال، فإن بلدية طهران العملاقة، والتي تعتبر بوابة لرئاسة الجمهورية في إيران، كانت قد أوصلت أحمدي نجاد لكرسي الرئاسة، وهو من قادة الحرس الثوري القدامى، إذ كان عمدة طهران قبل أن يعتلي رئاسة الجمهورية، وكذلك رئيسها الحالي محمد باقر قاليباف من قادة الحرس الثوري والمقرب للمرشد.

 

رابعا ً: مرحلة البحث عن بديل للمرشد:

هذه المرحلة تعتبر من أهم المراحل التي خطط لها الحرس الثوري، وذلك لقدسية منصب ولاية الفقيه في المنظومة السياسية والدينية في نظام الجمهورية الإسلامية.

أدرك قادة الحرس الثوري أهمية وقداسة منصب المرشد، ومكانته في نظام الجمهورية الإسلامية، مما حتم عليهم أن يقوموا بدعم وإعداد شخصيات مهمة في المؤسسة الدينية ليكونوا البديل المناسب، مما يتماشى وسياسات الحرس الثوري بعيدة المدى، ومن هذه الشخصيات التي قد تعتلي سدة “ولاية الفقيه” في حال حدوث أمر ما للمرشد الحالي، هو آية الله هاشمي شاهرودي والذي يعتبر من “السادات” أي هاشمي النسب ومن بيت الرسول محمد، وشاهرودي حالياً رئيس العلاقات العليا للسلطات في النظام لحل الخلافات في ما بينها وكذلك تنظيمها (التنفيذية والتشريعية والقضائية).

ثانيا ً: مؤسسة ولي الفيقه “بيت رهبرى”:

تعتبر هذه المؤسسة من أهم المؤسسات الروحية في المنظومة الفكرية والعقائدية السياسية في نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وكذلك هرم المؤسسة الدينية. فهي من ضمن مجموعات كثيرة مرتبطة ببعضها بعض تعمل تحت إطار معين تهدف إلى توسيع دائرة التشيع في العالم بشكل عام والعالم العربي بشكل خاص. في هذه المؤسسات تتبلور الأفكار والخطط من خلال شبكة واسعة تعمل في العديد من الدول والمجتمعات العربية وغيرها من المجتمعات الأخرى. ومن أهم هذه الأفكار التي يعمل النظام عليها ليلاً ونهاراً الترويج للإسلام الإيراني “مكتب ايرانى”. يتم تداول مصطلح “الإسلام الإيراني” في الآونة الأخيرة كثيرا ً في الإعلام الإيراني، وذلك في محاولة من المؤسسة الدينية لترسيخ هذا المفهوم الجديد في الشرق الأوسط، ويستمد الفكر الديني المذهبي الإيراني روحه من القومية الفارسية “وأمجاد فارس”، لذلك نرى تفاهماً عضوياً بين المعارضة الفارسية للنظام وسياسيات النظام العليا في الكثير من الأحيان. والكثير من القادة السياسيين والعسكريين الإيرانيين تخرجوا من كنف هذه المؤسسة التي ترى حدود عملها التوعوي خارج حدود جغرافية إيران السياسية، بل ترى هذا الأمر من الثوابت الدينية ووجوب العمل بها.

       

 ثالثا ً: خامنه اى” والحرس الثوري علاقة متكاملة:

بعد أن توفي الخميني، واعتلاء “خامنه اى” منصب الولي الفقيه في إيران عام 1989، تغير الوضع لصالح الحرس الثوري؛ بحيث كان الخميني معارضاً شديداً لدخول قادة الحرس للحياة السياسية والاقتصادية، وفي تصريح للخميني قائلاً “لا يجوز للحرس الثوري أن يدخل الحياة السياسية”. لكن على المرشد الجديد للجمهورية الإسلامية أن يجد الحليف المناسب ليتمكن من بسط نفوذه على خصومه السياسيين الطامحين للوصول للسلطة، فكانت رغبة قادة الحرس الثوري تتماشى وأهداف الولي الفقيه الجديد.

فدخول الحرس الثوري للحياة السياسية جاء من خلال تغطية “الباسيج” أي قوات التعبئة التابعة له بعض المناسبات الهامة، مما مهد للحرس الثوري تدريجياً أن يدخل الحياة السياسية في إيران، وأولى الخطوات لتحقيق هذه الرغبة والتي لطالما سعى لها قادة الحرس الثوري هي أن يناط به إدارة بعض السفارات في عدد من الدول التي ينشط فيلق القدس فيها، لتغطية نشاطه. وكذلك ملف العلاقات الأمريكية – الإيرانية، بالإضافة لإدارة ملف المفاوضات النووية مع الغرب.

إن واقع الحال للحرس الثوري واتساع رقعة نفوذه في السياسة الداخلية والخارجية، أعطته المشروعية لصناعة القرار السياسي على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، إلى درجة أن يصرح “علي سعيدي” ممثل المرشد في الحرس الثوري قبيل الانتخابات الرئاسية التي فاز فيها حسن روحاني، قائلا ً: “إن هندسة الانتخابات بشكل منطقي ومعقول من قبل الحرس الثوري وظيفة جوهرية”، هذا من جانب. ومن جانب آخر، فإن الأمثلة كثيرة جداً على تأثير الحرس الثوري في سياسة إيران الخارجية، بدءاً من نشاط فيلق القدس في أنحاء مختلفة من العالم وتأثيره على القرار السياسي في الدول التي تعتبر مجال إيران الحيوي، مروراً بالتهديد والوعيد شبه اليومي من قبل قادة الحرس الثوري وهم كثر.

فالعلاقة بين المرشد “ولي أمر المسلمين” كما يحلو لصاحب هذا المنصب أن تخاطبه جموع الجماهير ومؤسسة الحرس الثوري علاقة متينة ومبنية على استراتيجية ذات أهداف معينة ومحددة، تسعى المؤسسة الدينية أن تنفذها عبر “فيلق القدس” في العالم العربي، رغبة منها في أن تتمكن يوماً ما أن تحكم إيران الشيعية العالم الإسلامي.

وقد كثر الحديث بعد مجيء روحاني أن الأخير معتدل ويميل للتيار الإصلاحي في إيران، متناسين المناصب التي شغلها الرجل، ومن أهمها: رئيس مكتب الأمن القومي الإيراني وممثل المرشد في المكتب ذاته، وكذلك رئيس مكتب الدراسات الاستراتيجية للنظام، وغيرها من المناصب الأخرى طيلة الـ 24 عاماً الماضية. وفيما يترتب على حسن روحاني ما قدمه طيلة هذه الفترة وهو في قلب النظام من خدمات داخل وخارج الحدود الإيرانية، هو الدليل القاطع على أن روحاني ضرورة للنظام لابد منه في هذه الفترة العصيبة من عمر النظام، إذن “مخطئ من ظن يوماً أن للثعلب ديناً”.

بقلم: جمال عبيدي

نقلا عن؛ مركز المزماة للدراسات والبحوث

كافة حقوق النشر محفوظة لموقع بادماز. ما ينشر في هذا الموقع لايعبر بالضرورة عن موقف التيار الوطني العربي الديمقراطي في الاحواز.

الصعود لأعلى