انت هنا : الرئيسية » ثقافة ومجتمع » واجتاحني حب كارون/18

واجتاحني حب كارون/18

كلفني الشهيد ( الحجي ) في مرة من المرات أن ألتقي الشهيد الخالد البطل (( توفيق ابراهيم الراشد ))، والأخ المناضل (( محمود حسين بشاري – أبوهبة ))  الامين العام السابق للجبهة العربية لتحرير الاحواز )…علما ان الشهيد توفيق هو رئيس مجموعة محيي الدين آل ناصر التي اقتحمت مبنى السفارة الفارسية في لندن عام 1980 واستشهد فيها هو واربعة من رفاق دربه وهم:

عباس ميثم، وشايع حامد السهر، ومكي حنون، وجاسم علوان، إضافة إلى سادسهم الذي بقي حيا بإرادة الله ومشيئته وهو الشهيد الحي عميد الأسرى الأحوازيين البطل فوزي رفرف الفيصلي.

نعم لقد كلفني الشهيد الحجي أن التقي بالشهيد توفيق والمناضل محمود حسين بشاري أبو هبة والذين كانوا ضمن العمل السياسي والتعبوي بمعية باقي الشباب الاحوازي الثوري آنذاك، حيث تم توجيهي بأن أساعدهم، ذلك لأنني كنت أجيد الطباعة على آلة الطابعة اليدوية الى جانب جهاز الإستنساخ اليدوي، علما بأنه لم نكن نملك جهاز استنساخ آلي ولا طابعة كهربائية ولم يكن جهاز الكمبيوتر يرى النور آنذاك على الأقل عندنا.

فعلا قمت بتنفيذ ما طلبه مني ( الحجي )، وبدأت بمساعدتهم في طباعة المنشورات التوعوية والتعبوية والنداءات الحماسية والبيانات والمواضيع الثقافية الأخرى، فهؤلاء المناضلين كانوا قد استأجروا لهم غرفة صغيرة في مدينة ( عبادان ) لا يعرف عنها إلاّ أشخاص معدودين مثل ( الحجي ) والكاتب أبو رسالة.

عندما التقيت بهؤلاء المناضلين وتجاذبنا أطراف الحديث معا، كنت أحسّ في صدورهم الحسرة والألم وحب العمل الثوري الحاسم لإزالة العقبة الكبيرة التي كانت تواجه عمل جميع المناضلين والثوار العرب في مدينة عبادان، وأعني بهذه العقبة هو الشيخ ( عيسى الطرفي ) وإبنه الشيخ ( علي ) الذي كان قد لبس العمامة حديثا آنذاك، حيث كانوا يشكون منهم ويقولون:

 ( متى يأتي اليوم الذي تزاح فيه مثل هذه الأثقال التي تجثم فوق صدور المناضلين والثوار كي نتمكن من التحرك بسهولة؟ ).

كان يتردد على غرفتهم شاب لم يراهق، وكان يساعدهم ، وكان ارتباطه بالأخ محمود حسين بشاري أبو هبه أكثر منه بالشهيد توفيق، وعرفت بأنّ هذا الشاب الواعد إسمه (( فرقان )).

 طبعا هم من اختار له هذا الاسم ليبقى إسمه الحركي يدونه التأريخ ولا يعرف عنه سوى هو نفسه ومن تعامل معه، وهو مازال حيُ يرزق، وندعوا له بالصحة والسلامة، وكان عمره آنذاك لا يتجاوز الخمسة عشر عاما..

كان فرقان شابا نشطا، وكان لا يتردد في تنفيذ أي واجب يكلف به من قبلهم، وكان يوزع المنشورات وينقلها من مكان إلى آخر بكل صدق وأمانة رغم صغر سنه، لأنه كان ذو ذكاء خارق، وكان حب العروبة والوطن مغروسا في نفسه، وهذه هي تربية العوائل المتمسكة بعروبتها ووطنها.

بعد أن استقر الإطمئنان في نفوسنا بعضنا للبعض، كشف لي ( أبوهبة ) و( الشهيد توفيق )، بأنهم من أصدقاء الشهيد ( فيصل الباوي )، ويلتقون به دائما لتنسيق العمل فيما بينهم، حيث كان الشهيد ( فيصل ) رحمه الله عربي أصيل وكان شعلة من النشاط الثوري، وكان يشترك في أي مظاهرة عربية في أي مكان كانت تقام فيه، وكان يقود معظم المظاهرات الشبابية في مدينة ( عبادان ) بمعية اخوانه الذين منهم من استشهد ومنهم من بقي على قيد الحياة، وكان يتحدى الطغمة الحاكمة وعملائها من معممين وغير معممين، إلى أن واجه الموت واستشهد بصدر مليئ بالإيمان عام 1979 في أيام مجزرة الأربعاء السوداء حينما سقط شهيدا فوق صعيد الوطن في مواجهات جرت بين الشباب العربي والذي كان هو في مقدمتهم من جهة وبين أزلام نظام الإحتلال الفارسي من جهة أخرى، وذلك في منطقة (أبوالحسن) الواقعة في مدينة ( عبادان )، حيث إنه وقف هو ورفاقه بكل رجولة وبطولة حاملا سلاح الإيمان وهو سلاح المناضلين بوجه الأعداء في ذلك اليوم المشهود ولم يستسلم إلى هؤلاء القتلة، بل إنه واجههم بكل شجاعة وبطولة حتى نال الشهادة واقفا كنخيل مدينته العربية الباسلة، متحديا كل أصناف القوة العسكرية الخمينية التي واجهته وواجهت باقي العرب في كل مكان واستشهد من أجل مبادئه وشعبه ووطنه العزيز .

رأيت هذا الشهيد مرات ومرات قبل استشهاده وجلست معه في العديد من الجلسات العامة والخاصة حتى إني أحببته كثيرا وقضينا معا ليالي كثيرة وكنا نتجاذب أطراف الحديث العام والخاص، حتى إننا أَطلعنا بعضنا البعض على أسرارنا الشبابية الخاصة بنا.

ذهبت مرة بمرافقة ( الشهيد الحجي والشهيد فيصل الباوي )، إلى مدينة ( الفلاحية )، بدعوة من الشباب هناك والذين كانوا مثل بقية اخوتهم في بقية المدن الأحوازية كخلية نحل يواصلون الليل بالنهار يعملون أي شئ من أجل وطنهم وشعبهم وأمتهم، وكنا قد سررنا بما رأيناه منهم رغم إمكانياتهم المادية المحدودة، وهي ذات المرة التي كحلت بها عيوني برؤية المناضل الأحوازي الكبير والقائد القدير الأستاذ صالح العامري والمعروف بإسم (( أحمد الجزائري )) بعد أن كنت أسمع باسمه وأنا في سن لم اراهق فيه بعد، وكان هذا الإسم يتردد على ألسن ألأعضاء الأساسيين والمعتمدين لرابطة شباب الجعفرية لإحياء الشعائر الدينية حينما كانوا يجتمعون في بيتنا برئاسة المرحوم السيد هاشم النزاري ويعيدون أسماء وقصص كثير من المناضلين القادة الثوار والشهداء الاحوازيين الذين استشهدوا في سبيل الوطن وتحريره من الإحتلال الفارسي، وكنت أسمع منهم أسماء الشهداء حداد ، محيي الزيبق، وحيدر الطليل، يونس العاصي، محيي الدين آل ناصر، عيسى المذخور، ودهراب شميل وغيرهم من الشهداء، وكذلك عن معركة المحرزي في المحمرة ومعركة الفية في عبادان التي استشهد فيها الشهيد البطل علي حميدان آل ناصر شقيق الشهيد محيي الدين آل ناصر.

جرت هذه الحادثة حين سمع مني الشهيد الحجي وهو يحدثنا عن أبناء الحركة الوطنية الأحوازية ومنهم المناضل أحمد الجزائري، وذلك لما قلت له بأنني لم أرى أحمد الجزائري وأتمنى أن أراه في يوم من الأيام…

بعد مرور عدة أيام وكنت قد نسيت ما قلته وما تمنيت في حينها، وحين ذهبنا نحن الثلاثة أي الشهيد الحجي أبو عواد والشهيد فيصل الباوي وكاتب الأسطر إلى الفلاحية لم يخبرني الشهيد الحجي بأنه سوف يلتقي بالمناضل الكبير احمد الجزائري، التقى به وسلم عليه وعرّفه بالشهيد فيصل الباوي ومن ثم بي ولكن بإسمي المستعار (( مشتاق احمد علوان ))، فسلمت عليه ورد أحمد الجزائري عليّ السلام بتحية إسلامية عربية كاملة ممزوجة بابتسامة ترحيبية…لكن الحجي لم يعرّفني باسمه في حينها عندما كنت أقف أمامه، وبعد أن إبتعدنا أنا والشهيد فيصل الباوي عنهم بمسافة أمتار قليلة تحدّثوا بحديث قصير لربما كان حديث مجاملة، وبعد ذلك ودعه وذهبنا الى حيث كنا ذاهبون اليه وكما هو مؤشّر أعلاه.

في الطريق عند العودة من الفلاحية قال لي الحجي:

هل عرفت من هذا الرجل؟

قلت له: كلا

قال لي وهو يبتسم: هذا هو المناضل أحمد الجزائري الذي كنت تتمنى أن تراه، وأنا حققت لك أمنيتك.

قلت له: لماذا لم تخبرني عنه حين كنا واقفين معه؟

قال: خفت من ردة فعلك، وهذا ما لا نريده أن يحدث أمام الآخرين، خاصة وإن الرجل هو من مناضلينا الكبار عطاءً ونضالا، وإنه قائداً من قادة الحركة الوطنية الأحوازية، ويجب علينا حفظ احترامه أمام العدو والصديق، وهذا ما منعني من ذلك، لأنني أعرف بأنك لن تستطيع السيطرة على أعصابك خصوصا وإنك شاب متحمس، وكنتَ تبحث عن مثل هذه الفرصة، وخفت أن تطلق العنان لحماسك وصوتك معا وتجلب علينا أنظار الآخرين.

إنني فخور حقا لانني كحلت عيوني برؤية مناضل وثوري صادق مع شعبه بنضاله الطويل، مناضل حقيقي وليس من (( المتمنضلين )) ، ولقد رأيته خلوقا جدا، ورأيت الشجاعة والبسالة في وجهه الناطق بالعربية قبل لسانه، ورأيته قائدا هماما وجبلا شامخا صامدا لا يتزحزح عن مبادئه التي آمن بها.

نعم هذه كانت ثمرة إصطحاب الشهيد الحجي ابو عواد لي وللشهيد فيصل الباوي إلى مدينة الفلاحية الباسلة آنذاك…رحم الله الشهيد فيصل الباوي وجميع الشهداء.

وللتاريخ أقول بأنني قمت بتأليف تمثيلية إذاعية تحت عنوان (( زينة )) مهداة للشهيد ( فيصل الباوي ) عام 1983، وقد تم بثها من إذاعة صوت الثورة الأحوازية وإذاعة بغداد وكذلك إذاعة صوت الجماهير العراقيتين التي كانتا تبث حتى بدايات الألف الثاني من التاريخ الميلادي، وقمت شخصيا بأداء دور البطولة أي بدور ( الشهيد فيصل الباوي ) فيها، وقامت إحدى الممثلات العراقيات الشابات آنذاك بدور ( زينة )، والتي كانت تمثل محبوبة شهيدنا البطل فيصل، وبمشاركة العديد من الممثلين العراقيين والممثلات العراقيات، ولا أسمح لنفسي أن أذكر أسماء هؤلاء الفنانين الأشقاء هنا، وذلك لظروف أمنية بحتة، لأنهم مازالوا أحياء ومنهم من يعيش في العراق, ويد عملاء المخابرات الإيرانية وحرس خميني وفيلق القدس الارهابي حتما ستصل إليهم إذا ما كشفت الأسماء في هذا المقال.

ومن الأحداث العالقة في ذهني والتي حدثت أثناء عمل هذه التمثيلية أذكر هذا الحدث الطريف الذي تفاجأنا به أثناء تسجيل أحد المقاطع وهو المقطع الذي يحكي عن مجيئ الشخص الذي ينقل خبر استشهاد فيصل للعائلة، حيث إنه عندما طرق باب بيت الشهيد فيصل ليخبر والدته الممثلة القديرة ( ؟؟؟ ) بأن إبنك فيصل قد استشهد على يد القوات الفارسية في مواجهة بطولية سطر فيها أروع صور البطولة والفداء من أجل الوطن، وبعد أن زغردت له الأم مفتخرة بابنها لانه سقط شهيدا للوطن، وبدلا من أن تقول بأعلى صوتها حسب ما مكتوب في النص:

  يمة راح اسويلك زفة وهلاهل… فجأة وبالخطأ قالت وبأعلى صوتها والجميع سكوت:

(( يمة راح اسويلك لفة وفلافل ))

 وبعد أن سمع المخرج وبقية الممثلين وجميعنا هذه العبارة المفاجئة منها إنفجر الجميع من الضحك وأخذوا فيه شوطا طويلا ولم يسكتوا، و كانت تلك الممثلة القديرة هي أكثر من البقية انفجارا في الضحك، حتى إننا اضطررنا إلى أن نوقف العمل لمدة ثلاث ساعات، وفعلا جاءت لفات الفلافل بعد أن أمر المخرج بجلبها من منطقة الصالحية في بغداد والتي يقع فيها مبنى مؤسسة الإذاعة والتلفزيون العراقيين، وأخذنا قسطا من الراحة لنعود ناسين ما حدث كي لا تؤثر ردة الفعل لدينا على جودة العمل…

تحياتي لتلك الممثلة القديرة ولجميع الممثلين العراقيين والمخرج القدير الذين تبرعوا بالعمل من أجل الأحواز وقاموا بتمثيله مجانا هدية منهم للشعب العربي الأحوازي وخدمة للقضية الأحوازية، وكان مدة العمل ثلاثة وخمسون دقيقة بالضبط، وكانت إذاعة صوت الثورة الأحوازية تمتلك نسخة منها، ولكن قصف القوات الغازية للعراق من أمريكان وفرس وتعرض مبنى المجمع الإذاعي والتلفزيوني في البصرة للقصف أتلف كل شئ بما فيه هذه التمثيلية، وكنت محتفظا بنسخة منها بشريط أو كاسيت حتى عام 2002 قبل أن اسلمه الى اللجنة الإعلامية في الجبهة العربية آنذاك كي يوضع في أرشيفها.

هذا الأرشيف الذي يوجد قسم كبير منه كما سمعت عند أحد الأخوة الأحوازيين هو أرشيف غني بالوثائق والافلام والكتب الخاصة بالاحواز ومحاضر اجتماعات الجبهة ومؤسساتها، وكذلك أسماء شهداء الأحواز التي تم نشرها على شكل كراسات بثلاثة أجزاء، وأيضا جميع أعداد مجلة الأحواز التي كانت تصدرها الجبهة العربية لتحرير الأحواز آنذاك…

هذا الأرشيف الذي نحتاجه جميعا وقضيتنا اليوم بأمس الحاجة اليه …

سنلتقي على حب الوطن في حلقة جديدة من هذه السلسلة ان شاء الله ..

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

  ملاحظة:

من أجل تزويدنا بمعلومات، أو تصحيح معلومة، أو تزويدنا بأسماء الشهداء أو بقية المناضلين الذين لربما ننساها ولا نذكرها مع الأسماء التي نذكرها في الحلقات، أو من أجل أي استفسار تودون أن تستفسروه منا، يرجى التواصل معنا عبر الأيميل التالي:


a7wazna_1925@yahoo.com

كافة حقوق النشر محفوظة لموقع بادماز. ما ينشر في هذا الموقع لايعبر بالضرورة عن موقف التيار الوطني العربي الديمقراطي في الاحواز.

الصعود لأعلى